القيمة الثانية :
الاستغفار:عبادة عظيمة، سهلة يسيرة ، ويخطئ العبد وتكثر خطاياه ثم يعود إلى الله بالاستغفار طالبًا العفو والغفران والرحمة، استغفار الله من رحمات الله التي أرسلها لعباده، قال أبو موسى رضي الله عنه “كان لنا أمانان ذهب أحدهما، وهو كون الرسول فينا، وبقي الاستغفار معنا فإذا ذهب هلكنا”.
استغفار الله أو الاستغفار في اللغة :
المقصود بالاستغفار أواستغفار الله هو أن تطلب الغفران والعفو من الله عز وجل.
فالاستغفار في اللغة هو مصدر الفعل (اسْتَغفَرَ)، واستغفار الذنب هو طلب غفرانه، فاستغفار الله هو الدعاء بطلب العفو من الله على ذنب اقترفته، والداعي بهذا الدعاء المراد به طلب المغفرة والعفو هو (المُستغفر)
وكما ذُكر في (المحكم – ابن سيدة) وفي (عمدة الحفاظ – السمين الحلبي) فإنّ الاستغفار هو مصدر القول: استغفر – يستغفر، وهو مأخوذ من مادة (غ ف ر) التي تدل على الستر في الغالب، فالغفر هو الستر، يُقال غفر يغفره غفرًا أي: ستره، ومنها غفر المتع في الوعاء غفرًا أي أدخله وستره، وتأتي كلمة غفر بمعنى ترك المؤاخذة بالذنب ، وقال ابن منظور: أصل الغفر التغطية والستر .
معنى استغفار الله في الاصطلاح:
الاستغفار هو الطلب من الله سبحانه أن يستر الذنوب وأن لا يعاقِب عليها، وبهذا فعند استغفار الله أنت ترجو منه عز وجل أمران أن يستر ذنبك ، ويسامحك عليه فلا تُعاقب عليه.
يقول ابن تيمية: ” المغفرة شيء زائد عن الستر؛ لأن المغفرة معناها وقاية شر الذنب، بحيث لا يعاقب عليه العبد، وأما مجرد ستر الذنوب فهذا لا يستلزم إسقاط العقوبة؛ فالله سبحانه قد يستر على من يعاقب وعلى من لا يعاقب ” .
-كان ﷺكثير الاستغفار، وحثّ أمته عليه فقال :”يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة”.
-وقال ﷺ: “طوبى لمن وُجِدَ في صحيفته استغفارًا كثيرًا”
طوبى : أي الحالة الطيبة والعيشة الرضية، وتطلق على الجنة أو على شجرة فيها.
-وقال ﷺ:”من أحب أن تسرّه صحيفته فليُكثر من الاستغفار”.
-وحثّ نبينا ﷺ النساء بقوله :”يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ”.
والحديث يدل على أنّ الصدقة والاستغفار سبب للنجاة من النار.
ويُروى عن لقمان أنّه قال لابنه : يا بُنيّ عوّد لسانك : اللهم اغفر لي ، فإنّ لله ساعات لا يردُ فيها سائلاً.
وقال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة.
الاستغفار سبب لتنزل الرحمات،”لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”
وسبب لتنزل الأرزاق”فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا….”
: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾.هود (52).
♦ وتناول العلماء تفسير هذه الآية ومنه ماجاء في كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾ كثير الدَّرِّ يعني: المطر ﴿ ويزدكم قوة إلى قوتكم ﴾ يعني: المال والولد وكان الله سبحانه قد حبس عنهم المطر ثلاث سنين وأعقم أرحام نسائهم فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله سبحانه بلادكم ورزقكم المال والولد.
♦ و تفسير البغوي “معالم التنزيل”: ﴿ وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾، أَيْ: آمِنُوا بِهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْإِيمَانِ، ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾، من عبادة غيره من سَالِفِ ذُنُوبِكُمْ، ﴿ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ﴾، أي: يرسل المطر مُتَتَابِعًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فِي أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ، ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ ﴾، أَيْ: شِدَّةً مَعَ شِدَّتِكُمْ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَبَسَ عَنْهُمُ الْقَطْرَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَأَعْقَمَ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ فَلَمْ يَلِدْنَ، فَقَالَ لَهُمْ هُودٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إن آمنتم بالله وحده وصدقتموني أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْمَطَرَ فَتَزْدَادُونَ مَالًا وَيُعِيدُ أَرْحَامَ الْأُمَّهَاتِ إِلَى مَا كَانَتْ، فَيَلِدْنَ فَتَزْدَادُونَ قُوَّةً بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ. وَقِيلَ: تَزْدَادُونَ قُوَّةً في الدين إلى قوة في الْبَدَنِ. ﴿ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾، أَيْ: لَا تُدْبِرُوا مُشْرِكِين ..
قال تعالي على لسان نوح عليه السلام { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} : فقد رغب نوح قومه في التوبة من الشرك ومن الإعراض عن رسالة السماء وشرائع الرحمن, والمسارعة إلى الاستغفار بتوضيح ثمرات الاستغفار العاجلة والآجلة , والتي منها نزول الخير والبركات من السماء والبركة في النسل والذرية والأموال والثمار والزروع والتجارات ثم حسن المآل في الآخرة بدخول الجنة . وبدأ ببيان أن الله تعالى غفار لعباده يقبل توبتهم إن صدقت مهما كانت ذنوبهم. قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12) } [ سورة نوح] .
وقد وردت صيغ عديدة للاستغفار ومن ذلك أن يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، بعد كل صلاة ثلاث مرات، إذا سلم بعد الفريضة، كما كان النبي يفعل -عليه الصلاة والسلام- أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وإذا قال في جميع الأوقات: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي ذنوبي، (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه)
ومن أفضل صيغة الاستغفار؟
أن يقول: رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم. فعن ابن عمر قال: { إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي، وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم } . رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الألباني.
وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، إلا أن رواية أحمد فيها: الغفور، بدلًا من الرحيم .
و الاستغفار هو الذي يكفر عنا ذنوبنا ويرفع من درجاتنا في الآخرة، وأمر الله سبحانه تعالى عباده، بـ الاستغفار فى آيات كثيرة من القرآن الكريم، منها: قوله تعالى: «وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (البقرة 199) .
سيد الاستغفار:
ومن صيغ الاستغفار و أفضلها أن يقول العبد: «اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ»، وهذه الصيغة من الاستغفار اسمها سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ.
ووردت صيغة سيد الاستغفار : ففي صحيح البخاري، عن شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ” سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ. مَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ “.
ما أفضل اوقات الاستغفار؟
فإن الاستغفار يشرع في كل وقت ممكن، ولكن تحديد وقت معين للعبادة يتعين التوقف فيه على ما ثبت كالسحر وأدبار الصلوات والمساء والصباح حذراً من الوقوع في البدعة الإضافية..
ويتعين الحرص على حضور القلب أثناء الاستغفار وغيره من الأدعية، لما في حديث الترمذي: { إن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافلِِ لاهِِ } .
اللهم إني استغفرك من كل ذنب و أتوب إليك ، و أؤمن بك ، و أتوكل عليك ، و أسألك الخير كله ما علمنا منه وما لم نعلم ، و نثني عليك بما أنت أهله يارب العالمين .
اللهم اغفر لأبنائنا وأمهاتنا وبناتنا وأولادنا وزوجاتنا. وسائر المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات انك سميع الدعاء نجيب الدعوات .. والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.