نصائح وأسس وقواعد في فهم الدين قبل أن تَضِلَّ أو يُضِلَّك المُضِلُّون) رقم (5).
إخواني الكرام، كنا قد بدأنا ببعض النصائح التي لا بد من معرفتها لكل مسلم يريد أن يَفهم الدين فهمًا صحيحًا، حتى لا يضل في فهمه أو يضله أهلُ الضلالة وهم كُثُرٌ في زمننا هذا، والعياذ بالله، وكنتُ قد ذكرتُ من قبلُ عدةَ نصائح، واليومَ بإذن الله نبدأ في نصيحة جديدة، وهي برقم (5). فأقول وبالله تعالى التوفيق:
11- ذكرتُ من قبل أن فهم نصوص الشريعة واستخراج حكم شرعي منها، له ضوابطُ لا بدَّ من توفُّرها فيمن يريد معرفةَ حكم الله تعالى المنصوص في القرآن والسنة.
وذكرنا أن أول ذلك حفظُ نصوص الشريعة كتابًا وسنةً، وأنه لا بد من جمع الآيات والأحاديث التي تتكلم عن موضوع واحد، ثم التوفيق بينها كما بَيَّنَه النبي صلى الله عليه وسلم وكما اتفق عليه أصحابه رضوان الله عليهم، وتَبِعَهم في ذلك -بعلم – علماءُ المسلمين فيما أجمعوا عليه من أمور عَقَدِية، أو أحكام فقهية.
والسؤال الآن: ماذا سيترتب على مخالفة هذا الأمر؟ (أعني جمع النصوص التي تتحدث عن موضوع واحد، ثم النظر فيها والتوفيق بينها)
الإجابة: إذا لم يفعل العالمُ ذلك، أو طالبُ العلم، أو الناظر في كتاب الله ليستخرج منه الحكمَ الشرعي، إذا لم يفعل هذا الجمع بين النصوص والتوفيقَ بينها، فسيقع في أمرين خطيرين:
أولهما: أنه سيُخطئ يقينًا في معرفة حكم الله تعالى.
والخطأ هنا ليس خطأ مغفورًا له، ولو ادعى أو زعم أنه من المتدبرين لكتاب الله، أو ادعى أنه من المجتهدين؛ فكل هذا لا ينفعه ولا ينجيه عند الله من الإثم واستحقاق العقوبة؛ لأنه بهذه الحال التي هو عليها يحرم عليه الإفتاءُ في دين الله، وهو لا يستطيع أو ليست عنده القدرة على استيعاب النصوص الشرعية كلها التي تتكلم عن موضوع واحد. فكيف يكون من المتدبرين أو المجتهدين؟ بل هذا من المفترين على الله الكذب.
وسيكون قد ارتكب جُرمًا كبيرًا في حق الله تعالى، لأنه ببساطة شديدة أنه قد ادعى على الله ما لم يقله بل افترى على الله الكذب وهو لا يدري.
والدليل على أنه ليس معذورًا القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء.
-فمن القرآن: قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). سورة يونس
-ومن الحديث: أن الرسول دعا على من أفتى أخاه بالظن وبغير علم، كما في حديث عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُخْبِرُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلَامٌ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ، فَكُزَّ فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَوَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ». رواه ابن ماجه برقم (572) والحديث حسنه الألباني.
-وكذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا غَيْرَ ثَبَتٍ، فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ». رواه ابن ماجه برقم (53) وحسنه الألباني.
-ومن أقوال العلماء: قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: وَمَنْ تَكَلَّفَ مَا جَهِلَ، وَمَا لَمْ يُثْبِتْهُ مَعْرِفَةً، كَانَتْ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ وَإِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَانَ بِخَطَئِهِ غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ إِذَا مَا نَطَقَ فِيمَا لَا يُحِيطُ عِلْمُهُ بِالْفِرْقِ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ فِيهِ. الرسالة للشافعي ص 50 تحقيق الشيخ أحمد شاكر.
الأمر الثاني: الذي سيقع فيه هذا الجاهلُ، اضطرابُ نصوص الشريعة في قلبه وعقله، فسيظنّ – والحالةُ هذه – أن الشريعة مضطربة.
وبالطبع حتى ينتصر لرأيه سوف يُبطل ويُنْكِر – تحت أي حجة – كلَّ الأدلة الحديثية الصحيجة قطعًا والتي تُبَيِّنُ له أنه مخطئ، ، فيدعي أنها موروثٌ ديني، أو أنها من تأليف العلماء، – أو كما يسمونهم – كهنة الدين.
وأما الآياتُ فسيتعسف في تأويلها كيفما اتفقَ له، فيقع في أمرٍ خطيرٍ آخر، وهو افتراءُ الكذب على الله مرة أخرى.
-وإذا استمر به هذا الأمر فقد يخرج من الدين بالكلية -والعياذ بالله – لأنه حينئذٍ سيشعر أن هذا الدينَ ليس منضبطًا، وليس واضحًا.
أكتفي بهذا القدر ونكمل فيما بعد إن شاء الله تعالى، في النصيحة (6).
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة.