القيمة السابعة
يقول الله تبارك وتعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ) الآيات من سورة الإسراء من 23 – 39 .
يقول تبارك وتعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ ۚ وَأَوْفُواْ بِٱلْعَهْدِ ۖ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْـُٔولًا(34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
إلى أن يقول سبحانه وتعالى : ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا ) فيشير بقوله سبحانه وتعالى ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ) ، إلى الوصايا العديدة التي ذكرت قبل هذه الآية ابتداء من عبادة الله وحده إلى عدم الخيلاء في الحركة في السير وهذه الوصايا تشمل ما يلي :
١- عبادة الله وحده.
٢- الاحسان في معاملة الوالدين.
٣- اعطاء حقوق ذي القربى واليتامى والمساكين .
٤- الاعتدال في الانفاق في المال على النفس.
٥- تجنب قتل الأولاد خشية الفقر .
٦- عدم الاعتداء على الاعراض بالزنا .
٧- عدم الاعتداء على النفوس بالقتل.
٨- عدم المساس بأموال اليتامى.
٩- العدل في التعامل والوفاء والحقوق والواجبات.
١٠- عدم التجسس وعدم تتبع ما لا يعني به الإنسان. ١١- عدم الخيلاء في حركه السير .
وهذه وصايا عملية ووتعاملية في سلوك الانسان حتى عبادة الله وحده تحدد منهج السلوك التطبيقي في الحياة ، وتكون القواعد الأخلاقية التي يجب أن يسير عليها الإنسان .
وعقب أن يذكرها القرآن الكريم فيه وصاياه التي هي أوامر أو نواهِِ ، هنا يشير إلى أنها وحي من الحكمة لله ( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ) فالحكمة إذا هي المنهاج العملي للسلوك في مقابل الاعتقاد القلبي ، فإذا قرنت الحكمة بالكتاب أي جاءت مقرونة معه في آية من آيات القرآن كما في قوله تبارك وتعالى : ( ولو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم ) أي من المشركين الماديين الملحدين ( أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) النساء 113.
فالمقصود بالحكمة كذلك هنا المنهج العملي أو ما يسمى بالشريعة ، إذا الشريعة هى الطريق والسبيل ، والمقصود بالكتاب ما تضمن العقيدة ، وإذا قوله تبارك وتعالى : ( و أنزل عليك الكتاب والحكمة) معناه أنه أنزل عليك العقيدة والشريعة معا ، أي انزل عليك دينا متكاملا يتمثل في الاعتقاد الصحيح كما يمثل المنهج العملي السليم ، ولذلك كان التعقيب في هذه الآية بقوله ط : ( وكان فضل الله عليك عظيما ) لأن الجمع في الوحي إلى رسول من الرسل بين العقيدة و الشريعة يعبر عن ميزة الرسول وفضله بين الرسل .
وكذلك قال تعالى في سورة البقرة ( يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) البقرة / 269 ط ، و بعد تلك الآيات جاء الوصف بالإنفاق في سبيل الله ابتداء من قوله تبارك وتعالى (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) البقرة /261.
فإن الحكمة هنا أقرب إلى المنهج العملي في السلوك لأن الانفاق سبيل وطريق عملي في الحياة .
وعلى هذا النحو أيضا ما جاء في قصة داوود في قوله تبارك وتعالى : ( وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) البقرة/ 251 ، فالحكمة التي أعطاها الله عز وجل لداوود من قِبله سبحانه وتعالي هي الأخلاق والسلوك المستقيم ، فقد عرف عنه -أي داوود عليه السلام – أنه كان ذا خلق كريم ، وذا شجاعة في سبيل الإيمان بالله ، ولذا انتصر في القتال ضد الاشوريين لتخليص أسرى بني اسرائيل .
أو هو المنهج العملي والأخلاقي والالتزامي للسلوك وهذا هو دليل الإيمان حينما قال صلى الله عليه وسلم : ( الايمان ما وقر القلب وصدقه العمل ) فكان الجامع بين الشريعة والحكمة ، أو العلاقة بين الحكمة و الشريعة ، هو السلوك العملي والاعتقاد القلبي الذي يكون نابعا و مسيطرا على أخلاق وأفعال الإنسان في هذه الحياة .
وجاءت كلمة الحكمة مقرونة مع الكتاب على أنه يقصر بالكتاب عندئذ ما يحدد مضمون العقيدة كما في قوله تبارك وتعالى ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ) أي آيات الله التي توحي إليه مما يشمل الشريعة والعقيدة معا ( و يزكيهم ويعلمهم الكتاب ) أي العقيدة والحكمة أي الشريعة وآداب والسلوك ( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) سورة الجمعة/2 ، وفيما يقوله جبريل عليه السلام مُبٓشرا مريم عليها السلام بعيسى المسيح عليه السلام ردا على سؤالها ( قالت ربي أني يكون لي ولد قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ) سورة آل عمران / 47 ( و يعلمه الكتاب والحكمة ) أي الكتاب المقصود به العقيدة ، والحكمة المقصود بها الشريعة ، والتوراة و الإنجيل أي ما يجمع الأمرين من عقيدة وشريعة جامعة بينهما (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ) آل عمران من 47 إلى 49 ،
وفيما يقوله جبريل هنا في هذا الحوار من كتاب وحكمة لا يخرج معناهما عما ذُكر من قبل ، وذكر التوراه والانجيل بعد ذلك ، هو ذكر لما عرف عند بني اسرائيل مما يعم العقيدة و الشريعة تأكيدا على أن رسالة عيسى هي في نطاق ما جاء به موسى من قبلُ ، وبذلك تكون حجته في بني اسرائيل حجة واضحة. ، ولهذا جاء الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على هذا النسق النبوي فقال سبحانه وتعالى ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ) سورة النحل/ ، فجعل من وسائل الدعوة الإسلامية هو (البند الثاني) وهي ( الحكمة ) وهي وضع الأمور في نصابها الصحيح ، والالتزام بأحكام الشريعة ، وقواعد الإعتقاد ، عند ذلك يفوز الإنسان المسلم بالسعادة في الدنيا والآخرة من خلال العقيدة والشريعة ، أو من خلال الحكمة القلبية والشريعة العملية ، أو من خلال السلوك العملي التطبيقي ، والسلوك النظري المتمثل في أوامر الله إلى عباد الله سبحانه وتعالى على مر التاريخ ، وعلى لسان جميع الأنبياء عليهم جميعا وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة وأتم السلام ..
….. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…
اللهم ارزقنا الحكمة وفصل الخطاب ، وبيًن لنا صواب طريق الحق والرشاد ، وارزقنا الإخلاص في القول والاعتقاد يا رب العالمين ….
………….. والحمد لله رب العالمين …………