إجابة الله تعالى لدعاء العبد
وإذا دعا المسلم ربه استجاب له كما قال سبحانه: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
ولكن يمنع إجابة الدعاء أمور منها:
-منها: أكل الحرام .. أو الاعتداء في الدعاء .. أو غفلة القلب أثناء الدعاء .. أو ضعف اليقين في الله ..
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟. رواه مسلم
وحاجة العباد تنقسم إلى قسمين :
أحدهما: ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا لا يُطلب إلا منه سبحانه، فهو القادر عليه وحده دون سواه مثل:
ومن ذلك: غفران الذنوب .. وهداية القلوب .. وإنزال المطر .. وإنبات النبات .. وشفاء المريض .. ونحو ذلك من الأمور.
فهذا لا يُطلب إلا من الله وحده، ومَن طلبه من غيره فقد أشرك بالله.
الثاني: ما يقدر عليه الناسُ، فتجوز الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه من النصر والعون، أو البذل والعطاء، ونحو ذلك.
والمأمورُ به شرعًا سؤالُ الله تعالى، والرغبة إليه، والتوكل عليه وحده في جميع الأمور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ» أخرجه أحمد والترمذي.
وسؤالُ الخلق ما يقدرون عليه من الحاجات في الأصل مذمومٌ، لكنه أُبِيحَ للضرورة والحاجة، وتركُه توكلاً على الله أفضلُ، وقد بايع النبيُّ صلى الله عليه وسلم طائفةً من أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئًا.
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ يَتَقبَّلُ لِي بِوَاحِدَةٍ وَأَتَقَبَّلُ لَهُ بِالْجَنَّة؟ قُلْتُ: أَنَا يا رسول الله. قَالَ: لَا تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا.
فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ وَهُوَ رَاكِبٌ، فَلَا يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِيهِ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
أسباب عدم إجابة الدعاء
والله سبحانه محمود على كل حال، فكلُّ عطاء منه فضلٌ، وكلُّ عقوبةٍ منه عدلٌ، ومن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعًا، ومن أتاه يمشي أتاه هرولةً، والله أرحم بالعباد من الوالدة بولدها.
فإذا دعاه العبد ولم يستجب له فذلك لأسباب:
-فقد يكون العبد قصر في أمر نفسه وأضاع فرصة كانت أمامه، ولم يلتفت إليها.
-وقد يكون لتفريط العبد في أمور دينه.
-أو يكون له من السيئات ما يؤخر الإجابة.
-أو يكون قدَّر الله عليه البلاءَ بتأخير الإجابة ليرى الله من عبده حسنَ ظنِّه بالله. كما حدث مع جميع الأنبياء والرسل. فما من أحد منهم إلا ابتلي ببلاء معين لفترةٍ من الزمن.
وأسباب إجابة الدعاء كثيرة
-وأهمها: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ.
-وأن يبدأ بحمد الله تعالى.
-ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أول الدعاء وآخره.
-وحضور القلب أثناء الدعاء.
-وخفض الصوت بالدعاء.
-والاعتراف بالذنب والاستغفار منه.
-والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها.
-والإلحاح في الدعاء وتكريره.
-وعدم استبطاء الإجابة.
-والجزم في الدعاء مع اليقين بالإجابة.
-وعدم الاعتداء في الدعاء.
-وألا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.
-ومنها: أن يكون مطعمه ومشربه وملبسه حلالا
-ولزوم التضرع والخشوع.
-واستقبال القبلة أثناء الدعاء.
-واستمرار الدعاء في الرخاء والشدة.
فهذه عدة أمور لا بدَّ من العلم بها، والعمل بمقتضاها؛ ليتم حصول المطلوب للعبد عند سؤاله لربه، وقد جعل الله لكل شيء سببًا.
وللدعاء مع البلاء ثلاث حالات:
-والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يمنع نزوله، ويرفعه إذا نزل أو يخففه.
الأولى: أن يكون الدعاء أقوى من البلاء فيدفعه ويرده.
الثانية: أن يكون الدعاء أضعفَ من البلاء، فيقوى عليه البلاءُ وينزل بالعبد.
الثالثة: أن يتقاوم الدعاء والبلاء، ويمنع كلُّ واحد منهما صاحبَه.
وإذا حصل الدعاء من العبد، فالله يعطيه أحد خمسة أشياء:
-إما أن يُعْطِيَ السائلَ سؤاله في الحال.
-أو يؤخره، حتى يُكْثِرَ المسلم من البكاء والتضرع لله.
-أو يعطيه شيئاً آخر هو أنفعُ للعبد من سؤاله.
-أو يدفع به عنه بلاء آخر كان سينزل به.
-أو يؤخر الإجابة إلى يوم القيامة أحوج ما يكون إليه العبد، فلا نستعجل: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
وقد أمر الله عزَّ وجلَّ عباده أن يدعوه ويتوسلوا إليه
والتوسل إلى الله أنواع:
أحدها: التوسل بنعم الله تعالى على العبد،
كما قال يوسف صلى الله عليه وسلم: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
الثاني: التوسل إليه سبحانه بذكر أسمائه وصفاته.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» أخرجه أبو داود والنسائي.
الثالث: التوسل بإقرار العبد بظلمه وعصيانه لربه.
فهذا توسل بأحسن وسيلة، ويرجى له إجابة دعائه كما قال آدم وزوجه: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
الرابع: التوسل بذكر فقر العبد، وحاجته إلى ربه كما قال موسى صلى الله عليه وسلم: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.
والدعاء سلاح المؤمن يستخدم وقت الحاجة
-فإبراهيم صلى الله عليه وسلم دعا حين ألقي في النار فأنجاه الله.
-ويونس صلى الله عليه وسلم دعا ربه في بطن الحوت فأنجاه الله.
-وأيوب صلى الله عليه وسلم دعا ربه حين مسَّه الضرُّ فكشف الله ضره.
ويُتْبع بإذن الله تعالى في 3
مدرس الشريعة الاسلامية – كلية دار العلوم – ج القاهرة