إخواني الكرام نواصل بإذن الله تعالى ما كنا قد بدأناه من قبل في بيان بعض النصائح التي يجب على المسلم أن يعرفها في دينه، ومنها هذه النصيحة التي هي من ضروريات الدين. فأقول وبالله تعالى التوفيق:
إن دين الإسلام هو دين الله الذي اختاره للبشرية كلها، ولا يقبل من أحد دينًا سواه.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
ثم إن جميع الخلق بعد بعثة الرسول مطالبون بالإيمان به واتباعه حتى الرسل أنفسهم:
-قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾.
-وكذلك اليهود والنصارى وبقية الخلق مطالبون بالإيمان بالرسول واتباعه، وأن مَن بلغتْه دعوةُ الرسولِ ثم مات ولم يؤمن به ولم يَتَّبِعْه فهو من المخلدين في جهنم:
قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾.
-وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾.
-وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:170]
والشاهد في قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا﴾ فأخبر الله تعالى أن من لا يومن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، بلا شك في ذلك.
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ .. ﴾ [المائدة:17]
والطوائف الثلاثة الكبرى عند النصارى يقولون: إن الله هو المسيح ابن مريم، فجاءت الآية بتكفيرهم، وفيها دلالة على تكفير من قال بالثالوث لأنهم اعتبروا المسيح ابن مريم عليه السلام جزءًا من الله؛ لأنهم قالوا: إن الله ولده، والمسيح ابنه – تعالى الله عمّا يقولون علوا كبيرًا.
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [المائدة:65]
و (لو) هو حرف امتناع لامتناع، فدلت الآية أنهم كفار ولم يؤمنوا، وبالتالي لن يكفر الله عنهم سيئاتهم ولن يدخلوا الجنّة.
وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة:68]
وهنا أيضا وصف أهل الكتاب بالكافرين {فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} وهذا بكفرهم بإقامة ما جاء في كتبهم في الأمر بالإيمان بمحمد ﷺ.
وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة:73]
وهذه أكبر فرق النصارى، وهم الذين يقولون إن الله هو ثالث ثلاثة (الآب والابن والروح القدس)، وقد كفّرهم الله عز وجل.
-ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». رواه مسلم.
وقد اتفق على هذا الحكم جميع علماء المسلمين بلا خلاف بينهم.
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم ج القاهرة.