زيد طالب بالثانوية الأزهرية ، عُرف عنه جده واجتهاده في تحصيل العلم سِيَّما علوم الشريعة ، وكان من بين ما حصَّل وأتقن: آداب المعاملات في شريعة الإسلام وكيف بنيت على الصدق والأمانة والوفاء..
وفي يوم من الأيام قرر زيارة السوق التجاري المجاور لمحل سكنه.
وخلال تجوله في السوق سمع الباعة ـ بقصد وبدون قصد ـ يكثرون الحلف بالله تارة وبالطلاق تارات…. ثم دَقّق النظر في أحوال أهل السوق فرأى فشو – انتشار ـ الشح ، والحرص ، والغش ، فضلًا عن المكر ، والخديعة والغبن فيما بينهم …. سمع بأذنيه الأيمان الخادعة ، والعهود الغادرة ، والتناجي بالاحتكار وحبس السلع حتى تَنْدر – تقل وتشح – في الأسواق فترتفع أثمانها وأسعارها.. فقرر أن يبين لهم خطر ما هم فيه فقام فيهم خطيبًا بما وهبه الله ـ عز وجل ـ من علم تلقاه في الأزهر العتيق فنادى في أهل السوق ليجدد لهم عقد إيمانهم، فذَكّرهم أول ما ذكّرهم بقول نبيهم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ)
ثم ذكّرهم بدعاء نبيهم – صلى الله عليه وسلم ـ بالرحمة لمَن تخلق بالسماحة في بيعه وشرائه وسائر أعماله وتصرفاته قال – صلى الله عليه وسلم-: (رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى)
هذا والسماحة أيها التجار تقتضي أن تكون معاملاتنا قائمة على الصدق والأمانة والوفاء وعدم الغش والغَبْن والبعد عن الخداع والاحْتِكار وسائر هذه الصفات الذميمة؛ كي نسعد في دنيانا وننعم في أخرانا.
فقال أحدهم: لماذا لا يُلْزِم الأزهر الشريف الناس بذلك؟! فأجاب زيد في هدوء نفس وصَفاء صدر: الأزهر الشريف يا سادة جهة بيان وليس جهة إلزام قال تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ) …. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
هذا ولقد طالعت بَحْثًا للأستاذ الدكتور/ أحمد خليفة شرقاوي ، تحت عنوان: ( دور الأزهر في مواجهة الغلو والتطرف) “منشور له ضمن أعمال مؤتمر الأزهر الداعي لمواجهة التطرف والإرهاب عام 1436 هــ 2014 م” جاء فيه أن : ” الأزهر يملك الإخبار بالحكم على وجه الإعلام دون الإلزام” ، وأكد فيه أن رسالتنا إنما هي البيان دون الإلزام والعلماء ورثة الأنبياء واستدل بعدة آيات منها قوله تعالى: )إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ( وقوله تعالى: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ (وفرق بين بيان الشيء والإلزام به… وبناء عليه أقول: إن الأزهر الشريف أيها السادة كلمة طيبة تنفع الناس ، وتدعوهم إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة.
فقال الجميع: حيا الله أزهرنا الشريف وزاده شرفًا ورفعة وزاد القائمين على أمره رفعة وحكمة.
عضو المكتب الفني لرئيس قطاع المعاهد الأزهرية.