تأخذنا المعرفة الصحيحة دومًا في اتجاه إيجابي نحو حياة تصبح مليئة بالتفاؤل ومزدهرة بالعطاء، والنهضة فيها أمل منشود؛ بينما تذهب المعرفة المشوبة بعقولنا تجاه غيوم يتلوها ظلام يمتخض عنها أفكار غير قويمة في كليتها، تدعونا بالضرورة إلى الانحراف عن المسار الصواب، وهذا يؤكد أن وعي بني البشر السليم مرهون ببنية عقول تشكلت بصورة صحيحة ومقصودة وفق منهج رباني يحض على إعمار الأرض والعمل بأسباب تلك الغاية العظيمة التي خلق الإنسان من أجلها.
ومن هذا المنطلق واضح البيان نستطيع القول بأن نهضة الأوطان ورقيها وازدهارها مرهون بوعي المواطن الذي يُعد بمثابة ضميره الموجه لكافة سلوكياته بمناشط الحياة المختلفة، ومن ثم تتبني الدول سياستها الخاصة بها لبناء وعي مواطنيها وتشكيل العقول الجمعية لديهم؛ لتضمن الولاء والانتماء لما تتبناه من مبادئ وما تؤمن به من قيم وما تسعى لتخطيطه على المدى البعيد؛ ليتأكد بقاءها واستمراريتها، وتضمن شيوع ورسوخ حضاراتها وما تتضمنه من ثقافات؛ لتحتل المكانة التي تسعى إليها.
وقد تمخض عن الإيمان والإذعان بأهمية الوعي وسياسة بنائه لدى الفرد إشكالية كبرى، تمثلت في تغير استراتيجي لصور الحروب عبر العالم الواقعي والافتراضي على السواء؛ حيث بدأت المخططات تستبدل آلية الهدم المباشر والمواجهات المسلحة بفكرة تشويه الوعي للمجتمعات التي تستهدف إضعافها وهدر مقدراتها المادية والبشرية في ضوء نظرية الصراعات التي تتفاقم، ومن ثم لا تنتهي بمرور الوقت؛ إذ توصف بالمستدامة.
وتُعد المعرفة المشوبة أو المنقوصة من مسببات تزييف الوعي لدى الإنسان، بغض النظر عن مستوى ثقافته أو درجته العلمية أو التعليمية؛ فالقصد يتمثل في إحداث صراع معرفي ينتج عنه تبني الفكرة الرائجة التي تدعمها شواهد باطلة أو مفبركة، ومن يتبنى منهجية تغييب العقول لا يصيبه الكلل أو الملل، بل يغير من استراتيجياته ويلون من مداخله وطرائقه وأساليبه وأدواته، ويبتكر من القضايا الجدلية التي تفتح باب النزال الفكري غير المحمود والسجال المغرض؛ ليخلق البيئة التي تنطلق منها المعلومات والبيانات والأفكار غير الصحيحة؛ لتحدث أثرها المنشود لدى الفئة المجتمعية المستهدفة.
ونتنبه بسياسة الوعي التي ينبغي أن نحدث من خلالها إدراكًا سليمًا؛ يجعل المواطن المصري يفهم كل ما يدور حوله من أحداث جارية، ويفقه تاريخه وجغرافيته، ويتعمق في غور ثقافته، ويتمسك بقيم مجتمعه النبيلة التي تنسدل من عقيدته الوسطية؛ ليتمكن من معالجة ما قد يتعرض له من مواقف أو قضايا بحكمة بالغة وتفكير سديد وموضوعية متزنة ووجدان راق؛ عندئذ تفشل كل محاولات التضليل أو التجهيل أو التشتيت؛ فلا يقع في خطأ بصورة مقصودة تسبب له ولمن حوله إرباكً وإبعادً عن الهدف المنشود.
إن سياسة الوعي في بناء الجمهورية الجديدة واضح المعني والمغزى؛ فعندما يشعر ويحس المواطن بما يدور حوله، وعندما يتلقى من حداثة المعرفة ومشاهدة الواقع ما يلبي شغفه الذهني؛ فإنه يتحرى كل ما يرد إلى معارفه؛ فيميز الغث من الثمين، ويفند المزيف والمشوه، ويستطيع أن يجابه مصادر الوعي المزيف ويقلل من فعاليتها، بل ويتفوق على مآربها الخبيثة، بمزيد من الإخلاص والإتقان والجد والاجتهاد فيما يوكل إليه من أعمال في ضوء موقعه ومنزلته وتخصصه، كما يصطف اصطفافًا يوصف بالراسخ خلف وطنه ويزود عنه بكل ما أوتي من قوة.
ويتطلب في سياستنا تجاه قضية الوعي أن ندرك مدى الخطورة التي يمارسها أصحاب الأجندات المأجورة عبر أبواقهم المتعددة من نشر ممنهج لمفاهيم مغلوطة تستهدف الحض على العنف والخروج عن سياق جماعة الدولة وكيانها والتوجه لهدم مؤسساتها والتوحد خلف ماهية فقد الثقة، وهذا دون مواربة بداية لمرحلة تنحرف فيها الأفكار ويتوالد منها شياطين الإرهاب بمختلف تنوعاته المقيتة؛ فلا يقتصر بحال على استخدام القوة؛ وإنما يبغي هتك نسيج الأمة المصرية بصورة مباشرة.
إن تبني سياسة تقوم على منهج واضح يعمل على تمسك الفرد بقيمه المجتمعية النبيلة وفي مقدمتها التسامح والتعايش السلمي المبني على امتلاك القوة الرشيدة، وقبول منطق الحوار الوطني بغية الوصول لرؤى جامعة تخدم مصالح الدولة العليا؛ بالإضافة للشراكة في تحمل المسئولية حيال قضايا الوطن التي تشغل الرأي العام على وجه الخصوص؛ ليسهم بشكل كبير في الحفاظ على مقدرات الوطن الغالي، ويصبح الأمن القومي المصري في أبعاده المختلفة الهدف الأسمى لدى الشعب المصري العظيم بشتى طوائفه.
وفي نهاية المسعى نقر بأن ضمير الأمة المصرية كائن في وعي شعبها القويم الذي تغمره القومية البحتة المنسدلة من إيمانه بالعدل والمساواة والعزة والكرامة، ناهيك عن مواطنة صحيحة قائمة على قيم ووجدانيات راقية تشعرنا بالمسئولية في نهضة وبناء وإعمار الدولة المصرية؛ لتعتلي المكانة اللائقة بتاريخها وحضارتها المبهرة.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.