حقًا… ما أروع إذاعتنا المصرية، إذ تملك كنزًا ثمينًا من التسجيلات المدهشة، فمنذ انطلاقها في 13 مايو 1934، وهي تعد أبرز وسائل التعليم والترفيه والتثقيف والتهذيب.
أجل تهذيب النفس والسمو بالذوق، من خلال عشرات الآلاف من البرامج والحوارات والمسلسلات والأغنيات إلى آخره.
قبل أيام تذكرت البرنامج الإذاعي البديع (زيارة لمكتبة فلان) الذي كانت تعده وتقدمه الإعلامية القديرة نادية صالح، فبحثت عنه في “يوتيوب”، فعثرت على حلقة مسجلة في يناير عام 1975 مع الفيلسوف المصري العظيم الدكتور زكي نجيب محمود.
على الفور استمعت إليها، فقد كنت من الذين تأثروا كثيرًا بكتابات الرجل ومنطقه العقلاني وأسلوبه الآسر،
وأذكر جيدًا، ونحن في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، كيف كنت ألتهم مقاله الأسبوعي الذي كان ينشره الأهرام كل ثلاثاء.
هكذا إذن أصخت السمع إلى صاحب (قصة عقل). في بداية اللقاء هنأته السيدة نادية صالح بعيد ميلاده السبعين الذي سيهل بعد أيام في أول فبراير (مولود في 1905)، ثم بدأت تنهمر الأسئلة، فيفيض الرجل بإجاباته المقنعة المميزة.
فلما سألته عما تحتويه مكتبته من تسجيلات فنية، أجاب الدكتور زكي أن أغلب مقتنياته من الموسيقى (الأفرنجية) هكذا قال، وبعض الأغاني العربية،
ثم قال بالحرف: (وأنا أحب شادية… خصوصًا في المرحلة الوسطى بتاعتها… لا هي الأولى التي كانت تخاطب بها أو تعبر بها عن المراهقة، ولا هي الأخيرة خالص… هناك مرحلة وسطى لا أستطيع تحديدها بالضبط لأني غير مهتم كثيرًا… قدمت خلالها خمس أو ست أغاني…
الحقيقة… لقد ظهرت آنذاك فنانة تكاد تختلف عما قبلها وما بعدها… تلك المرحلة التي غنت فيها غاب القمر يا ابن عمي).
لقد أسعدني كثيرًا كلام الدكتور زكي عن شادية وابن عمها الذي غاب، فهي من أجمل ما ترنمت به مطربتنا المحبوبة،
والتي استضافتها الإذاعية القديرة أمينة صبري في برنامجها الرائع (حديث الذكريات) الذي أذيع في نهاية السبعينيات كما أتوقع.
هكذا استمعت أيضا إلى شادية في (حديث الذكريات) التي أعلنت أنها (تحب نجيب محفوظ قوي)، وأنها تعيد قراءة بعض رواياته من فرط افتتانها بها، ثم أضافت:
(قرأت الحرافيش مرة أخرى قبل أيام)، فلما أوضحت لها السيدة أمينة صبري أنها مثلت من رواياته خمسة أفلام تقريبًا. قاطعتها شادية قائلة:
(هذا من حظي، لكني أعشق محفوظ قبل أن أمثل له، وبالتحديد منذ قرأت له الثلاثية، التي أندمج في أحداثها تمامًا، وقد قرأتها حتى الآن ست مرات).
وعادت السيدة أمينة صبري تسألها: (وحضرتك تطالعين إحدى الروايات، هل تتخيلين كيف يمكن تحويلها إلى فيلم وأي دور ستلعبين؟)، فأجابت شادية سريعًا:
(بالنسبة إلى نجيب لا… روايته أقوى من أن عقلي يستوعب أن روايته هذه تصلح للسينما أو أن هذا الدور يصلح لي أم لا؟ لأنه يجذبني فتستحوذ روايته تمامًا على انتباهي).
حقًا… ما أجمل الدكتور زكي وشادية ومحفوظ.
نعم… إذاعتنا المصرية كنز لا يفنى.