وكان التاسع من مايو هو يوم الفصل في حياة قيثارة القُراء، فقد جمع بين مولده ووفاته، لكن بين التاريخين ثمانية وستين سنة قضاها في رحاب القرآن الكريم، متعلماً ومعلماً ومتوجاً على عرش التلاوة المصرية زُهاء نصف قرن من الزمن…
كُف بصره وهو ابن سنتين، وفقد حبيبتيه قبل أن يرى بهما نور الدنيا، فعوضه ربه بنعمة البصيرة التي فتحت قلبه وفؤاده على نور القرآن الكريم، فطفق بصوته الندي وحسه الألمعي يجوب المشرق والمغرب، يستأنس بآيات الذكر الحكيم آناء الليل وأطراف النهار، فيلقي بها على جموع السامعين، وكان صاحب مدرسة فريدة النمط والسمت، جعلته نسيج وحده عصي على التقليد سلفاً ولحقاً،…
ارتبط الشيخ محمد رفعت بطقوس خاصة مع المسلمين المصريين لأحقبة كثيرة، فكان صوته مبعثاً ليقظة ونشاط الموظفين والفلاحين والطلاب، عبر أثير الراديو نافذة التنوير الوحيدة في سبعينيات وثمانينيات وربما تسعينيات القرن الفائت، فما أروع الاستهلال بقرآن الصباح بصوت الشيخ رفعت يومياً ، ثم ما أروع انتظار صوت الشيخ رفعت قبل انطلاق مدفع الإفطار في شهر رمضان الفضيل سنوياً ، في نجوى روحية تتسلل بين أهل الريف المصري وحضره، استشرافاً بكلام الله، واستمتاعاً بتحبيره بصوت عبده محمد رفعت، وترقباً لانطلاق الآذان لتناول الإفطار، وتتجدد السنوات وتتمدد، وتتعاقب الأجيال تترى، ويبقى صوت الشيخ محمد رفعت شاهداً على رفعة الأداء القرآني في دولة التلاوة عامة، وعلى رفعة وموهبة محمد رفعت خاصة، الذي مات في ٩ مايو ١٩٥٠م.. أما صوته العذب فلا يزال حياً ندياً..
رحم الله الشيخ الجليل محمد محمود رفعت!