وأما يوم القيامة فإن الصالحين يشفعون، سواء كانوا من أهل البيت أو من غيرهم.
وفي حديث الشفاعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ، يَقُولُونَ: رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ، فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدِ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ، فَيَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا “، وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) رواه البخاري (7439) ومسلم (183) واللفظ له.
فهذه الشفاعة تقع من المؤمنين لإخوانهم، ولا يختص بها أهل البيت.بل هي شاملة وعامة من بعض
الناس قال تعالي (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) . الأنبياء/28.
قوله ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) قال ابن عباس : هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله . وقال مجاهد : هم كل من رضي الله عنه ، والملائكة يشفعون غدا في الآخرة كما في صحيح مسلم وغيره ، وفي الدنيا أيضا ؛ فإنهم يستغفرون للمؤمنين ولمن في الأرض ، كما نص عليه التنزيل
وقال تعالي: (ولاتنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن وقال صوابا)
( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) يقول : ولا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه .
يقول الطبري :
وحدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة مثله ، وقوله ( وهم من خشيته مشفقون ) يقول : وهم من خوف الله وحذار عقابه أن يحل بهم مشفقون ، يقول : حذرون أن يعصوه ويخالفوا أمره ونهيه.
وقوله تعالى:( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾ البقرة / : أي: ليس لمخلوق كائنا من كان، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل: شفاعة ولا ضراعة عند الله عز وجل إلا برضاه وبعد إذنه، فإن (الشفاعة) كلها لله وحده، وهذا من عظمته وجلاله و كبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له في الشفاعة
ولا يقول مؤمن: إننا نطلب الشفاعة الآن من أموات المؤمنين ما داموا سيشفعون يوم القيامة، فهذه دعوة لعبادة القبور وللوثنية وتعليق القلوب بغير الله ، وهذا بعيد جدا عن مفهوم ودلالة الآية الكريمة وفهم السلف. الصالحين والعلماء من المفسرين ومن أتي من بعدهم إلى يوم الدين .
ولذلك قالوا لا يُدعى إلا الله، ولا يطلب إلا منه وحده.والله أعلم .