الحلقة الأولى
في بيان أسس هذه الطائفة المارقة
إخواني الأفاضل هذه مقدمة بعنوان
لماذا التحذير من هذه الطائفة التي تُسمِّي نفسَها بالقرآنيين، وبيان حكم الشرع فيهم؟
إخواني الكرام، هذه الطائفة ليس لها مثيلٌ في تاريخ الطوائف الضالة التي نبتت في الإسلام على امتداد التاريخ إلى يومنا هذا.
فمن المعلوم أن تاريخ الإسلام سجَّلَ لنا فرقًا ضالة عديدة بدايةً من أواخر عهد الصحابة، عندما ظهرت فرقة الخوارج والشيعة، ثم فرقة القدرية ثم الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة، والجبرية، والمرجئة، إلى غير ذلك من الطوائف الضالة.
ومن المعلوم أن هذه الفرق السابقة كلٌّ منها ضَلَّ في بعض مسائل العقيدة، وبالرغم من ذلك، فهي لم تقترب إطلاقًا من أركان الإسلام الخمسة، أو أصول الدين أو العبادات، مثل حكم الصلوات الخمس، أو كيفية أدائها، أو وجوب الصيام على القادر المقيم، أو وجوب الزكاة بشروطها المعروفة، أو كيفية أداء الحج والعمرة أو غير ذلك من العبادات.
ولم تُعْرف فرقةٌ من فرق الضلال طَعنت في أحكام الدين المتواترة والمشهورة منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم والتي اتفقت عليها أمة المسلمين.
أما هذه الفرقة التي تُسمي نفسَها بالقرآنيين، فقد أنكرتْ كثيرًا من عقائد الدين الثابتةة قطعًا، وأنكرت كثيرًا من أركان الإسلام في العبادات، بدايةً من حكم الصلوات الخمس، فزعموا أنهما صلاتان فقط، صلاة الصبح وصلاة العشاء، وأنكروا كيفيةَ أدائها، وأن الصلاة ليس فيها ركوع ولا هذا السجود الذي يفعله المسلمون في صلاتهم، بل قال أحدهم – وهو محمد هداية -: من قلد الرسول في كيفية الصلاة فهو مشرك. (في فيديو له).
ومعنى هذا أن جميع المسلمين مشركون ومخلدون في جهنم، من أيام الرسول إلى أيامنا هذه، يعني أمة المسلمين كلهم في جهنم مع المشركين والملحدين.
بل وصل الحال بهذا الإنسان أن سخر من السجود الذي يفعله المسلمون في صلاتهم، وقال عنه: إنه كلام فارغ.
ولم يقف إنكار هذه الطائفة المرتدة على حكم الصلاة وكيفيتها، بل أنكروا وجوب الصيام على القادر المقيم، وقالوا: هو مخير بين الصيام وبين إخراج الفدية، وأنكروا وجوب زكاة المال، فقال بعضهم: هي مستحبة فقط، وليست واجبة.
وبعضهم قال: إن الزكاة المذكورة في القرآن لا علاقة لها بزكاة المال أصلا، وأن المقصود بها هو زكاة النفس وتطهيرها من الأخلاق السيئة.
وزادوا على ذلك فأنكروا كيفية أداء الحج والعمرة، بل وسخر أحدُهم – وهو محمد هداية – من ملابس الإحرام في فيديو له.
بل قالوا: إن الصلاة والصيام والزكاة والحج ليست من واجبات الإسلام، ومن تركها فلا عقاب عليه أصلا، كما قاله أحدهم في فيديو له.
وإضافةً إلى ما سبق فقد أنكروا كثيرًا جدًّا من أحكام دين الإسلام، أنكروها إنكارا تامًّا، مع العلم بأن كثيرًا من هذه الأحكام هي في مرتبة المعلوم من الدين بالضرورة، وهي الأحكام الدينية التي لا يجهلها مسلم – ولا غير مسلم – إذا كان يعيش في مجتمع المسلمين.
-وأنت إذا نظرتَ إلى مجموع أقوال هذه الطائفة في العقائد والعبادات والأحكام الفقهية، أمكنك أن تقطع بأنهم على دين آخر غير دين المسلمين.
حتى إني أقول: والله لو أن طائفةً من غير المسلمين طُلِب منهم أن يُبَدِّلوا دينَ الإسلام أو يحرفوه لم يكونوا يستطيعون أن يبدلوه بهذه الطريقة أبدًا.
-والخلاصة في حكمهم: أن معظم أقوال هذه الطائفة كفرٌ مخرجٌ من الملة، سواء أقوالهم في العقيدة أو العبادات أو الأحكام.
وأنا لا أتحرج أبدًا بأن أصفهم بأنهم كفرة ومرتدون، و هذا الحكم متفق عليه بين جميع علماء المسلمين، قديمًا وحديثًا.
والسؤال الآن، كيف توصلوا إلى تبديل دين الإسلام في العقائد والعبادات والأحكام؟
قالوا: القرآن الكريم هو الوحي المنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد وحيٌ غيره، لا سنةٌ ولا غيرُها.
وإضافة إلى ذلك قالوا: القرآن فيه تبيانُ كل الدين، وفيه كلُّ ما يحتاجه الناسُ جملةً وتفصيلًا، سواء كان ذلك في العقائد أو العبادات أو الأحكام الشرعية.
وقالوا: المسلم يجب عليه طاعة الله وحده، ولا يطيع الرسول إلا في قبول القرآن منه فقط، وأن الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في شرح بعض الآيات، أو في كيفية تطبيقها، كالصلاة مثلا، قالوا: هذا كله يعتبر شركًا بالله عز وجل.
لماذا؟ قالوا: لأنك بذلك أطعتَ بشرًا من دون الله، ولو كان هذا البشر هو النبي نفسه.
طيب، لماذا لا يُرْجع للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو قدوة المسلمين، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، وقال في سورة الأعراف: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾؟
قالوا: لأن القرآن يفسر بعضُه بعضًا ولا يحتاج لغيره، لا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لمعاجم اللغة، ولا علماء الصحابة ولا غيرهم إلى يومنا هذا.
ثم يستدل بقوله تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) ويفسرها بالهوى والجهل. ويقولك: أمال القرآن ده بيعمل إيه؟ كما قاله اللافندي محمد هداية في فيديو له بعنوان التيمم الصحيح من القرآن. ومن المضحك المبكي أنه قال: إن التيمم يكون بالماء لا بالتراب!!!
-ثم زادوا في كفرهم كفرًا فقالوا: نحن لا نطيع محمدًا صلى الله عليه وسلم بصفته نبيًّا، بل بصفة كونه رسولا مبلِّغًا عن الله القرآنَ فقط.
أما أقواله هو نفسه فلا تلزمنا.
طيب لماذا لا تلزمكم واللهُ سبحانه قد جعله قدوةً حسنة للمسلمين في أقواله وأفعاله؟ قالوا: لأنه بصفته نبيًّا فهو بشرٌ مثلنا، يخطئ ويُذنب ويَعصي اللهَ، ويتوقع وقوعُ الكفر والشرك منه، وهو ينسى ويتوهم، ويَفهم خطأ، بل قالوا: تجري عليه كلُّ العوارض البشرية، مثل: الجهل، وعدم المعرفة، والغضب والرضا التي تؤثر في صدق كلامه وفي صحته.
ومن ثم، فإن كل هذه العوارض التي يمكن أن تعتري النبيَّ صلى الله عليه وسلم – عندهم – تجعلُه ليس معصومًا من الخطأ؛ ومن ثم، فلا تلزمنا طاعتُه إلا فيما بلغنا به من القرآن الكريم فقط.
وزادوا في ضلالهم فقالوا: ومن اتبع قولا – من غير القرآن – فقد أشرك مع الله غيره، ولو كان هذا القائل هو النبي نفسه.
وبعدين يروح خابطلك الآية: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ).
فجعلوا طاعة الرسول شركًا، والله تعالى جعل طاعة الرسول واتباعَه شرطًا من شروط الإيمان؛ فقال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
-والطامة الكبرى في قول هذه الطائفة الخارجة عن ملة الإسلام، أنهم قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بكلمة في الدين أصلا، إلا ما أوحاه الله إليه من القرآن الكريم فقط.
وبناء على ذلك قالوا: إن كل الأحاديث التي رواها الصحابة والتابعون وأئمة الفقهاء وغيرهم من علماء الحديث، ونسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كلُّ هذه الأحاديث كذبٌ واختلاقٌ في الدين، بل وافتراءٌ على الله وعلى رسوله.
هذا ملخص ما قالوه في مصدر الدين، أو من أين يُؤخذ الدين.
طيب: ومن الذي اخترع كل هذه الأحاديث المنسوبة للنبي بالأسانيد المتصلة إليه من طريق علماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وأئمة المحدثين؟.
قالوا: الذين نسبوا كل هذه الأحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم، هم كهنة الدين، الذين يُطلق عليهم كذبًا وزورًا (علماء الدين).
طيب، ولماذا افتروا كل هذه الأحاديث ونسبوها للنبي صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: طاعةً للحكام الطغاة في العصر العباسي، وابتغاء مناصب الدنيا، وتحصيل الأموال، وهم في هذا مثل أحبار اليهود ورهبان النصارى، الذين غيروا دينهم اتباعًا لشهواتهم.
-ومعنى ذلك الكلام أن أمة المسلمين هي شر أمة أخرجت للناس، وليست خيرَ أمة كما قال الله تعالى.
-ومعنى ذلك أيضًا أن دين الإسلام تغيَّر تغيرًا كاملًا عما أنزله الله، وأن المسلمين – في مشارق الأرض ومغاربها – يسيرون على دين مبدل منذ 1435 سنة.
-والنتيجة الحتمية لهذا أن أمة المسلمين منذ هذا التاريخ كلهم في جهنم خالدين فيها مع المشركين والملحدين.
هذا ملخص ما قالوه. ونكتفي بهذا الهراء، ونكمل في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى، ونبيِّنُ كفرَهم تفصيلا، ونتكلم عن سماتهم عمومًا، ونفصل أقوالهم في العقيدة والعبادات والأحكام الفقهية التي نتيقن معها بأن هذه الطائفة خارجة عن دين الإسلام باليقين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مدرس الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة