ودع زميله بعجالة أمام بوابة ميناء الصيد البحري، بعد ان اقتنى كل منهما كيلو من سمك السردين. كم يشتهي تلك الطقوس التي تسبق عملية الشواء. من حسن حظه أنه يسكن بالطابق السفلي لوحده، حيث أن الشقتين المقابلتين لبيته فارغتين أزيد من شهر. لن يضطر إلى الاعتذار عن الرائحة المتسببة في لعنات الجيران، ولا للإحراج!
عليه أن يعرج نحو بائع الفحم ، ويشتري أيضا بعض البصل والطماطم ليحضر سلطة تفتح شهيته أكثر.
بطنه الآن ترقص على همسات المحيط الأطلسي، وأنامله تداعب مفاتيح الباب المؤدي الى ردهة شقته، وصفيره يعلو بنشوة .
اعتاد” منير ” الشاب الثلاثيني ،أن يتأخر بالعودة إلى البيت بعد إنهائه عمله بشركة المشروبات الغازية، مالئا بطنه بما جادت به العربات المتنقلة من الاكلات السريعة، التي كانت تسبب له مغصا بأمعائه، فقرر أن يغير عادته مستغلا فسحة المكان وخلوه من السكان.
على نغمات أغنية “عبد الهادي بلخياط” ،كان يدندن بقلب المطبخ:
“يا بنت الناس انا فقير ودراهم يومي معدودة … إنما عندي قلب كبير بحر شطئانه ممدودة”
متمايلا برأسه يبحث عن آلة الشواء والموقد الطيني الصغير ، في حين فرقته الموسيقية لا زالت تصفر و تطقطق داخل بطنه وكأنها حلبة أعدت لرقص الأمعاء !
بيده اليسرى حمل عدة الشواء وبالأخرى يستعد لفتح الباب المؤدي إلى الردهة، حيث سينصب حفلة الشواء ، ليتفاجأ بأصوات تعلو ،ويزداد علوها شيئا فشيئا، كلما خطا نحو باب العمارة…
- هل أنت رجاوي أم ودادي؟ انت دفاعي صح؟ من الدفاع الحسني الجديدي … أنا رجاوي … تلعب؟
وانقضت كرة كحجر صلب على رأس منير جعلته يترنح من فرط المفاجأة … طفل لا يتجاوز عمره عشر سنوات، يرتدي زيا رياضيا أخضر، تتبعه امرأة لا يكاد باب العمارة يسع جسدها المترهل، يسبقها صوت تهتز له الجبال :
- أفسح الطريق ! طارق.. (تنادي شخصا آخر..ملتفتة نحو السلم ..يبدو أنه إبنها الثاني) وتستأنف:
- تعال ساعدني في نقل الأثاث.
كان منير متجمدا بمكانه يراقب بذهول عملية السطو التي حدثت للتو ، والتي هي بالتأكيد وكما هو واضح، عملية نقل امتعة للشقة المقابلة له !
انحنت السيدة نحو منير بإيماءة توحي بالاحترام، ثم استطردت:
- أنا جارتك الجديدة، أدعى “مي السعدية “
ثم امتدت يدها نحو السردين مبتهجة : - الله ! سردين … يا للصدف يقولون ان شواء السردين بالسكن الجديد مدر للرزق. (الله يعطيك الخير(
وأمام ذهول منير، اختفت السيدة داخل شقتها وبيدها “السردين” وهي تصرخ: - طارق … طارق !