- و النبي يام اعتماد انتي باين عليكي حد عامل لك عمل .
- ما تقوليش كده يا ست لواحظ .. الشر برة و بعيد .. دي حاجة بتاعة ربنا .
- و نعم بالله يا اختي .. لكن الحاجات دي موجودة و كل الناس عارفاها …
و رغم أن الست لواحظ كانت خاوية الوفاض من أية شهادات ، إلا أنها كانت حريصة على أن تبدو مثقفة ، وسط ذلك المجتمع النسائي ، الذي يضم أمثال ( أم اعتماد ) …
و الست لواحظ لم تكن تملك من حطام الدنيا ، سوى بضع قراريط بإحدى القرى ، كانت تدر عليها دخلا يكفيها لتعيش حياة عادية تقريبا .. و من خلالها كانت تبدو متألقة و هى تحكي دوما – بمناسبة أحيانا و بغير مناسبة في معظم الأحيان – عن الأطيان المكتوبة بإسمها و كيف أنها تنحدر من سلالة عريقة .. و أن جدها كان فلان باشا و عمها علان بك .. حتى إسمها ذاته كانت تنسج حوله الروايات .. و كيف أنه إسم غير عادي و لا يتكرر كثيرا ..
و لواحظ – و الحق يقال – كانت تكتب و تقرأ .. و من خلال تلك ( القدرة الفائقة ) كانت تتمتع بوضع مميز بين معارفها من السيدات اللائي يحرصن على الإلتقاء بها .. كلما حانت الظروف ، كى يستمعن إلى حديثها المشوق ، الذي كانت تلقيه على مسامعهن .. رغم أنه كان في معظمه – إن لم يكن كله – يفتقر إلى الحقيقة .. فهو من نسج خيالها ليس إلا …
و الحقيقة أن لواحظ كانت تعاني من الفراغ القاتل و الوحدة القاسية ، فهى تعيش بمفردها داخل شقتها الصغيرة ، بعد أن هجرها زوجها لفترة .. ثم طلقها بعد ذلك ، حيث أنها كانت عاقرا … و قد حزنت لفترة من الزمن .. لكنها سرعان ما تأقلمت مع ذلك الوضع .. و كأنها ارتضت بما رسمه لها القدر ..
و بما أن الست لواحظ فاضية .. و الفاضي يعمل قاضي .. فقد حرصت على الإنغماس في مزاولة عدة مهن ، فشلت فيها جميعا .. حتى انتهت إلى الإدعاء بأنها ( بتشوف الأثر و بتفك الأعمال ) .. و هكذا استعدت لتلك المهمة الغريبة .. أو لنقل ( اللعبة الخطرة ) .. فأخذت في إعادة ترتيب شقتها المتواضعة .. فوضعت سريرا نحاسيا تغطيه ملاءة خضراء ، و ستارة على النافذة تحجب معظم الضوء .. و في ركن الغرفة مبخرة عتيقة ، لتضفي على الجو كثيرا من الغموض .. و لم تكتف بذلك .. بل إنها سعت لاقتناء بعض الكتب التي تتناول موضوعات السحر و الأعمال ..
و وفقا لكل ما تقدم ، كانت ( ام اعتماد ) .. هى أولى تجارب الست لواحظ ، في تلك اللعبة الخطرة .. حيث كانت الأولى غالبا ما تحكي لها ، عن سوء معاملة زوجها و خوفها من أن يتزوج بأخرى نكاية بها … المهم أن الست لواحظ طلبت منها إحضار أى ( أثر ) لزوجها .. أخذت الأثر و راحت تردد بعض العبارات الغامضة غير المفهومة .. ثم همست أخيرا في أذن ام اعتماد : على فكرة .. فيه واحدة عاملة لك عمل و رابطاه ف ديل قرموط .. و القرموط كل اما يهز ديله ف المية ، جوزك يركبه ميت عفريت و يبقى مش طايق يشوف وشك .. - شوف الولية القرشانة .. إلهي ماييجي عليها العيد و لا تعيد أبدا .. طب و العمل دلوقتي يا ست لواحظ .. ؟
- شوفي يا حبيبتي .. فيه شوية طلبات بسيطة ( المخاويين ) عاوزينهم ..
- قولي يا ست لواحظ
- تدوري على ديك مشمشي .. و أرنب بودن بيضا و ودن سودة .. و تجيبي فاسوخ و عين عفريت .. و ربع كيلو دهنة خنزير .
- و دول حاعمل بيهم إيه .. ؟
- تدبحي الديك بكرة وقت صلاة الضهر .. و الأرنب تطلقيه تحت السرير .. و تحطي الفاسوخ و عين العفريت ع النار و تبخري بيهم أودة النوم .
- طب و دهن الخنزير حاعمل بيه إيه .. ؟
- أول ما تسمعي صوت جوزك طالع ع السلم .. تدعكي عتبة باب الشقة بالدهنة ، عشان يخطي عليها .
- و بعدين يا ست لواحظ
- أما تعملي الحاجات دي بكرة ، تيجي لي بعد العصر و تحضري لي 500 جنيه .. دول مش ليا يا حبيبتي .. دول للمخاويين .. و ربنا يقدرني و اطلعلك العمل اللي حاطاهولك اللي ما تتسمى ف القرموط .
و انصرفت ام اعتماد .. و ليس في ذهنها إلا تنفيذ أوامر الست لواحظ …
في عصر اليوم التالي .. جلست لواحظ تنتظر ام اعتماد – كما الإتفاق بينهما – لكنها لم تحضر ..حيث أن زوجها كان قد تأخر في العمل .. استبد القلق بلواحظ .. و على الفور ارتدت ملابسها و توجهت إلى منزل ام اعتماد لتتعرف على أسباب ذلك التأخير .. أحست ام اعتماد بوقع أقدام على السلم ، فظنت أن زوجها قد عاد من عمله .. فأسرعت على الفور و دهنت عتبة باب الشقة بدهن الخنزير ( كما هى التعليمات ) .. رن جرس الباب .. فتحت .. و لم تكد تفعل إلا و رأت الست لواحظ ممددة على الأرض ، بعد أن انزلقت قدماها في دهن الخنزير ، فوقعت بكامل ثقلها على السلم و الدم ينسال من فمها .. و تصرخ بصوت مبحوح .. تجمع على أثره سكان المنزل يتساءلون : - الله .. إيه اللي حصل ؟
- ست لواحظ .. مالك .. !
- دي كانت معانا الصبح زى الفل
- دا أنا لسة شايفاها عند بتاع السمك ، كانت بتشتري قراميط .. !!
- إنتو حاتقفوا تتفرجوا ع الولية .. حد يطلب لنا الإسعاف ..
كل هذا و ام اعتماد في حالة ذهول و قد تسمرت قدماها في الأرض و كأن على رأسها الطير .
في تلك الأثناء .. يعود زوج ام اعتماد من عمله .. يسمع تلك الأصوات المتناثرة .. بسرعة يصعد السلم .. ليجد الست لواحظ ممددة على الأرض أما باب شقته .. و هنا يتقدم ليرفعها ببطء من على الأرض … إلا أنها تفارق الحياة .. بين يديه .