ولي الله ـ عز و جل ـ هو مَن والى الله تعالى بالموافقة في محبوباته ومرضياته ، وتقرب إليه بما أمر به من طاعته .
بمعنى أنه تولى عبادة الله ـ عز و جل ـ على الدوام فتولى الله ـ عز و جل ـ أمره فحفظه ووقاه شر العاديات.
وبهذا يتضح شمول مفهوم الولاية للصالحين من البشر وغيرهم من خلق الله تعالى.
وإلا فما نقول في هدهد سليمان ـ عليه السلام ـ الذي قص القرآن الكريم خبره في سورة النمل ، قال تعالى : (( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ))
ففي هذا النص الكريم بيان من رب العالمين بما كان عليه الهدهد من المعرفة بتوحيد الله ـ عز وجل ـ ووجوب السجود له وإنكار سجود هؤلاء للشمس ، وكأن الذي آلم هذا الهدهد خروج هؤلاء ـ وهم بشر لهم عقول وقلوب ـ عن التوحيد ووقوعهم في براثن الشرك.
وبهذا نعلم أن هذا الهدهد تولى أمر الله ـ عز و جل ـ بالطاعة ، فتولاه الله ـ عز و جل ـ بالحفظ والرعاية ووقاه مصرع السوء.
وها هي نملة يمر عليها نبي الله سليمان عليه السلام بجنوده فتسرع ناصحة قومها وبني جنسها (( حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) فقولها ـ كما قص القرآن الكريم ـ ((وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) التفاتة مؤمن ، منصف أمين في قوله ، أي : من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا.
فالنملة أثنت على سليمان عليه السلام وأخبرت بأحسن ما تقدر عليه بأنهم لا يشعروا إن حطموكم ، ولا يفعلون ذلك عن عمد منهم فنفت عنهم الجُور ؛ ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها ، فقد أخرج أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قوله : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب : الهدهد والصُّرد والنملة والنحلة.
ومن هنا نعلم أن للنمل نطقًا وقولًا لكن لا يسمعه كل أحد .
ولا ننكر هذا من حيث أنا لا نسمع ذلك ، فإنه لا يلزم من عدم الإدراك عدم المدرك في نفسه.
هذا ولا اختلاف عند العلماء أن الحيوانات كلها لها أفهام وعقول .
قال ابن عطية : النمل حيوان فطن قوي شمام جدًا يدخر ، ويتخذ القرى ، ويشق الحب بقطعتين ؛ لئلا ينبت ، ويشق الكزبرة بأربع قطع ؛ لأنها تنبت إذا قسمت شقتين ، ويأكل في عامه نصف ما جمع ويستبقي سائره عدّة .
قال ابن عربي في أحكام القرآن الكريم : وهذه خواص العلوم عندنا وقد أدركتها النملة بخلق الله ـ عز و جل ـ لها.
قال أبو المظفر الإسفرايني : ولا يبعد أن تدرك البهائم حدوث العالم وحدوث المخلوقات ووحدانية الإله ولكننا لا نفهم عنها ولا تفهم عنا .
بل لو ذهبنا إلى دولة الأحجار والأشجار لوجدنا أن من بينها مَن كان يلقي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ففيما رواه مسلم عن جابر بن سمرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن )) ولا غرابة في ذلك فقد قال الله ـ عز و جل ـ : ((وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )) وقال جل جلاله : (( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ))
أليست هذه صفات الأولياء.
وإذا سحبنا هذا الوصف على الأزهر الشريف ـ بوصفه شخصية اعتبارية ـ حمل أمانة الوحيين الشريفين ( الكتاب والسنة ) ونشر وسطية الإسلام ودافع عن بيضة الدين ، ضد المغالين ، أصحاب الأهواء والأحقاد والأطماع ، لوجدناه منطبقًا عليه تمام الانطباق.
وبذا يكون الأزهر الشريف تولى أمر الله ـ عز و جل ـ بالطاعة والتبليغ كما يحب ويرضى فتولاه الله ـ عز و جل ـ بالحماية والرعاية على مر السنين والأعوام.
وإذا كان ذلك كذلك فلا خوف على الأزهر من هذا أو ذاك إنما الخوف على هؤلاء الذين شاقوا أولياء الله ( عز و جل ) ؛ لأن مَن كان هذا حاله فقد دخل في حرب مع الله ( عز و جل ) مصداقًا لقوله تعالى في الحديث القدسي : (( مَن عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب ….. )) الحديث
كم كانت سعادتي عندما كنت أشاهد طلاب الأزهر ـ خلال إقامتي في المدينة الجامعية ـ يتلون كتاب الله ـ عز و جل ـ آناء الليل وأطراف النهار فقلت وقتها :
معهد هذا حاله .. ألسنة السوء لا تناله.
.