حين سألوا الست أم كلثوم لمن تحبين أن تستمعي من الأصوات قالت:
شادية
بالطبع هذه أم كلثوم وكبرياءها لن يسمح لها أن تقول أنا أستمع لهذا وذاك لكنها اختارت جوابا دبلوماسيا وذكيا .
وبالفعل صوت شادية حين تصغي إليه يضفي على روحك هالة من السلام .
شيء غريب في صوتها خليط من الأنوثة والرقة والرزانة والأصالة والهدوء
لاهو صراخ ولاميوعة لاحدية ولاحنية زائدة
شيء هكذا بين الأشياء
كمهدأ نفسي كياسمينة تمتاز ببياضها والنقاء والعطر من بين أجمل الأزهار . طابع خاص
وهذا ينسحب على شخصيتها كذلك .
فقد كانت هذه المرأة كما وصفها الكثيرون هادئة نقية القلب كالأطفال رزنة ومتعقلة وحنون .
خمسة خيبات في حياة شادية لم ينقذها منها سوى الكتب ونقاء القلب .
أول خيبة وهي لم تكمل العشرين من عمرها حين استشهد خطيبها الشاب الذي أحبته بكل مايحمله الحب الأول من جنون
دخلت الفن ، غنت ،مثلت، أحبت وتزوجت وتطلقت..
زواجان وطلاقان .
ساحبة خلفها خيبة وخذلان وعدم تقدير .
صلاح ذو الفقار وعماد حمدي ..
ومع كل واحد منهما خرجت بألم يثقل كفته قدرها المكتوب بعدم قدرتها على الإنجاب .
وكثير من أهل الوسط الفني يتحدثون عن ارتباطها بفريد الأطرش بحب كبير لكنه كان رافضا للزواج فابتعدت بعد انتظار طويل وتسويف ووعود .
لم ينقذ شادية من انهياراتها العاطفية تلك سوى قراءة الكتب وحضور الجلسات الثقافية التي كان يصحبها إليها صديقها المقرب الصحفي والكاتب مصطفى أمين .
وبين الأدب والكتب والفن والسينما فهمت شادية معنى الحياة.
صارت اهدأ رغم أنها هادئة ،تقرأ بدل أن تبكي،تلملم شتاتها بدل أن تنهار لأن الكتب علمتها أن الحياة أعمق من رجل لايقدر أو رجل مراوغ بل الحياة أعمق وأكبر من أن نختصرها بزواج فاشل.
عاشت شادية عمرا طويلا تنثر الحب للناس ،تساعد ،تشارك الآخرين احزانهم وأفراحهم حتى أنها في كل ليلة من عرض مسرحية ريا وسكينة كانت تفرق أجرها في نهاية العرض على عمال المسرح .
اعتزلت بهدوء ،ابتعدت عن الأضواء لكنها لم تبتعد عمن يحتاجها من الأصدقاء ،بقيت تبتسم وتشارك وتنثر الطمأنينة والمحبة حتى رحلت بقلب نقي كما ولدت به،لم تلوثه الخيبات ولم تحيله قسوة الآخرين من الأبيض إلى الأسود .
(والله يازمن ،قاسي علينا يازمن )
شادية رقيقة الملامح ذات الصوت الفريد البيضاء كالياسمين ظلت بيضاء حتى موعد الرحيل .
رحمها الله .