عندما سألوا الفنان أحمد زكي بعد سنوات طويلة من طلاقه لزوجته الفنانة الرقيقة هالة فؤاد ،هل ندمت على ذلك الطلاق ؟قال بلى ،نادم جدا
ثم أردف ،كانت هالة تعشق الفن والتمثيل لكنها تحبني جدا أيضا ،وبالنسبة لي أريدها أن تتفرغ تماما لبيتها فرضخت لطلبي بسبب الحب ورغبتها في الإستمرار ،لكنها كانت تكتم غضبا يمزقها ،لأنها تركت شيئا تعشقه ،هي المخطئة،كان عليها ألا توافق على طلبي ،لماذا تضحي بشيء تحبه !! لماذا ترغم نفسها على حالة تجعلها تعيسة وغاضبة!!
فردت المذيعة عليه:.
أهذا كل شيء؟!
قال:
لا ، لقد كنت عنيفا معها،عصبي جدا وأفتعل الشجار على اتفه الأسباب،لأنني متعب ومشغول وقلق على فني وعملي ،وفي يوم من الأيام عدت للبيت فلم أجدها ،لقد تركتني هالة إلى الأبد .
في هذه الحياة اللعينة دوما من يتنازل ويقدم التضحيات لايحصل على التقدير مطلقا.
الناس بطبعها أنانية تأخذ ولاتعطي،ومع اول خدمة مجانية تقدمها سيقيدونها عليك في سجل الواجبات ،ستتهم بالإهمال والأنانية إن توقفت عن تقديم تلك الخدمات.
في رواية المسخ لكافكا عندما استيقظ الشاب غريغور سامسا ووجد نفسه قد تحول إلى حشرة أشبه بصرصار غريب ،بداية شعرت عائلته بالشفقة نحوه ثم راحت تعامله بقرف واشمئزاز .
غرغور كان يعمل كالحمار كي يعيل والديه وأخته المراهقة ،والوالدان كانا متعبان بمفاصل تئن وعجز ومرض والفتاة مراهقة عديمة الخبرة معتمدة تماما على أخيها.
بمجرد تحول غريغور إلى حشرة مقرفة عديمة الفائدة ،نهض الوالدان من عجزهما وراحا يعملان ويخدمان أنفسهما كالشباب بينما خرجت الأخت الصغيرة المدللة للعمل وشقت طريقها نحو المستقبل .
تجاهلوه تماما ،وضعوه في غرفته وأغلقوا عليه ،وراحوا يقدمون له الفضلات بدل الطعام ليتغذى عليها كالصراصير.
بصرف النظر عن أهمية الرواية التي تناقش حياة الفرد في ظل الرأسمالية التي تمتصه لكنني ركزت هنا على الجانب الإنساني من نظرة الناس للآخر ،فالرحمة والإحترام والإهتمام تلقاه فقط حين تكون مفيدا لهم ،مصالحهم هي من تحدد قيمتك .
سمعت يوما امرأة تعاتب طليقها ،رغم أنها هي من طلبت الطلاق ولكنها كانت تبكي وتخبره بأنها لم تجد التقدير منه ،قالت:
لقد قدمت لك الكثير ،ساعدتك في بناء البيت ،قدمت كذا وكذا ،رد عليها بكل هدوء وثقة:
ومن طلب منك ذلك! لقد قدمت من تلقاء نفسك ،لماذا فعلتها!!
غالبا يذهب العطاء هدرا كشعاع الشمس الساقط في حفرة.
لاينعكس ،لايضيء ،لاينتشر
هذا مايحدث حين تقدم لأناس لايقدرون ،وماأكثرهم
فتعود خائبا تجرجر خيباتك كذيل فستان بلانهاية.
فمن أجل أن تقدم العسل لأحدهم تسلب أفضل أزهارك رحيقها.
وقالها ديستويفيسكي يوما :
قد يقع الإنسان ضحية إيمانه العميق بنبل القلب الإنساني.
أن تعتقد بأنك ستكون مهما وستحصل على الإمتنان والحب طوال حياتك فقط لأنك كنت معطاء مضحيا إعتقادك هذا قد وضعه لك الدكتور أحمد خالد توفيق في معادلة بسيطة فقال:
اعتقادك بأن الناس سيحبونك لأنك طيب هو كأعتقادك بأن الأسد لن يلتهمك لأنك نباتي .
عندما تركب قطار التضحيات تأكد أن آخر محطة ستصل إليها تكون تحت عنوان (من طلب منك ذلك!!)
لاأحد سيشكر،فبمجرد أن تتوقف عن إنارة الطريق سترمى جانبا كمصباح ببطارية عاطلة لافائدة منه.
إن لم تقع في هذا المأزق بعد فاحذر أن تتورط فيه ،وأن فات الأوان ورموك كمصباح عاطل ك عقب شمعة محترقة كديك أصيب بتلف في حباله الصوتية وعقم وعجز جنسي فلا ينفع للتكاثر ولا يصيح صباحا ليوقظ الناس ،فوضعوه في الخربة بعيدا عن الجميع ،إن كنت كذلك وفات عليك الأوان فاعشق جراحك لأنها أوسمة نبل مضيئةوآثار مخالب لوحوش.