لم أشرف بالتعرف على الباحث، المترجم الفذ د. علي عفيفي، من قبل، وأتمنى أن تسنح لي الفرصة للجلوس إلى هذا الرجل؛ لأشكره على عمله العلمي القيم، الذي صدر تحت عنوان “تقنيات الرواية.. رواية الستينيات نموذجا”، الذي كنت أتمنى أن يصدر بعنوان آخر لا تعميم فيه؛ فالرجل تناول قضية شديدة الخصوصية والدقة في ميدان السرد الروائي، بفهم واستيعاب وتحليل، ووضوح ، ورصد دقيق لنتائج بحثه. قضية لطالما لم يتعرض لها دارسون كثر، لأنها تحتاج إلى باحث ودارس واع يملك موهبة البحث والتحليل المتعمق، بأكثر من لغة، ولأنها قضية شائكة تحتاج إلى عمل متعدد الجوانب المعرفية، فيما يتعلق بخصوصية الفن الروائي ونقده، وآليات هذا الاشتغال النقدي، فنيا، وأيديولوجيا، وتقنيا.
بمعنى أوضح، يشتغل د.عفيفي بأناة ودأب وصبر قل نظيره لدى كثير من الدارسين، على تأصيل ما يطلق عليه في النقد “زاوية الرؤية” ووظائف الراوي والمروي عليه والمسافات السردية، وعلاقة ذلك بالشخصية والزمان والمكان وأيديولوجيا السرد، عبر إعادة النظر في دراسة هذه الزاوية وعلاقتها بالتقنيات السردية الأخرى، وصولا إلى علاقة ذلك بتلقي العمل الأدبي (الرواية)، ودورها الدلالي.
وعلى الرغم من أن أغلب أعمال روائيي الستينيات من القرن المنصرم، قد تم تناولها من زوايا متعددة، دراسة وتحليلا، فإن القارئ يجد هنا تناولا جديدا، من جوانب جديدة، ورؤية جديدة، وعرضا وتحليلا شيقا، وكأنه يقرأ هذه الأعمال من جديد، وهذا يضع أيدينا على الهدف المبتغى من البحث العلمي والدرس النقدي، الذي يدفع بالعمل الفكري والثقافي إلى آفاق جديدة، انطلاقا لما هو أفضل، وتلك نقطة شديدة الأهمية وضع د. علي عفيفي يده، بل أيدينا، عليها بجدارة تستحق الإشادة دوما.
وبوسع القارئ أن ينظر مليا إلى تحليل د.عفيفي لأعمال من مثل: مالك الحزين لإبراهيم أصلان، والحب في المنفى، ونقطة النور لبهاء طاهر، و الزيني بركات لجمال الغيطاني، والشطار لخيري شلبي، وثلاثية غرناطة لرضوى عاشور ، والسائرون نياما لسعد مكاوي، وأصوات لسليمان فياض، وفساد الأمكنة، وفي الصحراء لصبري موسى، وتلك الرائحة، ويوميات الواحات لصنع الله إبراهيم، والأيام لطه حسين، وأيام الإنسان السبعة، وطرف من خبر الآخرة، وقدر الغرف المقبضة لعبدالحكيم قاسم، وحملة تفتيش(أوراق شخصية) للطيفة الزيات، وقلعة الجبل لمحمد جبريل.
إن هذا الكتاب، بالإضافة إلى ترجمات د. علي عفيفي الأخرى، وهي على حد معرفتي تضم ترجمتين في غاية الأهمية، هما: مقدمة لدراسة المروي عليه ل جيرالد برنس، وعمليات القراءة..مقاربة ظاهراتية ل فلفجانج إيزر، أقول إن ذلك يمثل عملا علميا يشكل لبنة أساسية في بناء صرح المكتبة النقدية والفكرية العربية، فطوبى له، وهنيئا لنا، نحن الدارسين بهذا الجهد الطيب الفريد من نوعه.