تُعد الحماية الاجتماعية في مصر إحدى الأولويات الرئيسية للحكومة، وتُبذل جهود كبيرة لتوفير الحماية والدعم للفئات الأكثر تأثرًا، ويتطلب تحقيق التغيير المستدام تكثيف الجهود وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية كما تتطلب هذه الحماية الاجتماعية تبني استراتيجيات شاملة وتنفيذ برامج وسياسات قوية لتوفير الحماية الاجتماعية وتقديم الدعم اللازم للأفراد والأسر المستضعفة.
الحرمان من الحقوق وتصدع أسس العدالة الاجتماعية من أشد التحديات التي تتسبب في الإخلال بموازين معادلة السلوك البشري في العلاقة مع أهداف التنمية المستدامة، وتجعل الفرد والمجتمع يعيشان حالة من عدم الرضا والشعور بالتهميش والإقصاء وعدم المساواة، ما يؤدي إلى التراجع في إنجاز أهداف التنمية المستدامة، ويتسبب في تفشي حالة المحسوبية والفساد إلى الإخلال بقيم العدالة الاجتماعية. ووفق ما يؤكده تقرير التنمية البشرية للعام 2013 «يمكن أن يؤدي ارتفاع عدم المساواة، خصوصاً بين فئات المجتمع، إلى تقويض الاستقرار الاجتماعي وعرقلة التنمية البشرية على المدى الطويل
مؤشرات الحقوق الرئيسة التي تتميز بقدراتها الفعلية في التأثير على معادلة السلوك البشري، يمكن تبينها في العديد من الوثائق الدولية، كما في وثيقة مؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة (جوهانسبرغ، 2002) التي تؤكد في المبدأ (29) على أن المجتمع الدولي يرحب «بتزكية التزام جوهانسبرغ بالمتطلبات الأساسية للكرامة الإنسانية، وإتاحة سبل الحصول على المياه النظيفة وخدمات المرافق الصحية، والطاقة، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، والتنوع البيولوجي», ويشير المبدأ أيضاً إلى أن الدول تسلم «في الوقت ذاته، بالأهمية الأساسية للتكنولوجيا والتعليم والتدريب وتوليد فرص العمل». ويعضّد واقع تلك الحقوق ما يجري التشديد عليه في المبدأ (8) من وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو، 2012) الذي يشير إلى أن الدول تجدد التأكيد على «أهمية الحرية والسلام والأمن واحترام جميع حقوق الإنسان، ومن ضمنها الحق في التنمية والحق في مستوى معيشة لائق، بما يشمل الحق في الغذاء وسيادة القانون والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والالتزام العام بإقامة مجتمعات ديمقراطية عادلة من أجل تحقيق التنمية».
المحسوبية والفساد لهما آثار سلبية على معادلة السلوك البشري، ويتسببان في الإخلال بأسس العدالة الاجتماعية، من حيث الامتيازات الشخصية للأفراد وكذا المؤسسات التي تمنحهم بهذه الصفة أو تلك الحصانة في الإفلات من المحاسبة القضائية على ممارساتها التي تتسبب في الكثير من الحالات بالتأثير السلبي والخطير على الأمن البيئي للإنسان، كما هو عليه الحال في طمر أو إغراق النفايات في أراضي ومياه بعض الدول وممارسة الأنشطة الإنتاجية والصناعية غير الملتزمة بمعايير الأمن الإنساني والبيئي، والسلامة المهنية للرقابة البيئية التي تتسبب في إطلاق الأدخنة والغازات الخطيرة على صحة الإنسان، وتؤدي في معظم الحالات إلى انتشار الأمراض الخطيرة وتلويث المحيط البيئي.
وتتمثل الآثار السلبية لحالات المحسوبية والفساد أيضاً في الاستحواذ على الموارد البيئية والمواقع الطبيعية ذات الأهمية الاقتصادية والمعيشية والسياحية، وبالأخص المناطق التي تتميز بثرائها الطبيعي وتنوعها الحيوي، ما يتسبب في حرمان قطاع واسع من المجتمع من الانتفاع واستثمار ما تمتلكه تلك المعالم البيئية من مقومات معيشية وسياحية وحياتية مهمة.
عوامل الخلل والتجاوزات التي تتسبب في بروز هكذا ظاهرة تتمثل في السياسات والاستثناءات القانونية المعمول بها في التشريع الدولي أيضاً، وخصوصاً المعمول بها في التشريع الوطني البيئي. وفي سياق ذلك يشير تقرير «اقتصاديّاتُ النُّظم البيئية والتنوع الحيوي» (TEEB) لصناع السياسات المحليّين والإقليميين للعام 2010 إلى أنه «تؤدي السياسات أو النُظم القانونية غير المناسبة أو ضعيفة التنفيذ على الأرجح إلى الفساد والسعي نحو تأجير الخدمات من جانب بعض الأشخاص ذوي النفوذ». ويؤكد المبدأ (266) في وثيقة «ريو+20» على «أن الفساد يمثِّل عائقاً خطيراً أمام تعبئة الموارد وتخصيصها بصورة فعالة، ويحوِّل الموارد عن الأنشطة التي تعتبر حيوية في القضاء على الفقر ومكافحة الجوع وتحقيق التنمية المستدامة».
الآثار السلبية والخطيرة للفساد تشكّل قوة دفع ومحفز رئيس للوعي بضرورة تبني منظومة من السياسات والإجراءات القانونية المؤسسة للحدّ وقمع تصاعد وتائر الآثار الخطيرة لهذآ ظاهرة على الإنسان والبيئة. وفي سياق مواجهة تداعيات ظاهرة الفساد عمل عددٌ من الدول لاعتماد نظام فرض الرسوم المالية على استثمار المواقع ذات الأهمية البيئية، وضمن معالجة «تقرير اقتصاديّات النُّظُم البيئية والتنوع الحيوي» (TEEB) لصناع السياسات المحليّين والإقليميين للعام 2010، لمفاصل نظام الرسوم المالية، يشير إلى أنه «يمكن لتقييم خدمات النظام البيئي أن يكون وسيلة مساعدة في مكافحة الفساد، ففي البلدات ذات الحوكمة الضعيفة ومستويات الفساد المرتفع غالباً ما تعوقُ مصالحُ الحَوكمة الأقلية الثرية ذات النفود محاولات استخدام المناطق المحمية في تعزيز المجتمعات المحلية وخفض التبايُن. وبوضع قيمة على خدمات النظام البيئي يمكن للجميع أن يعرفوا تماماً ما هي القيمة المُقدمة وإلى من. وفي حين أنّ الشفافية بشأن توزيع التكاليف والمنافع لا يمكنها أن تّحل المشكلات المرتبطة بالفساد، إلا أنّها تجعل مخالفة القانون أمراً يصعب التغطية عليه».
إن مقتضيات الحد من ظاهرة الفساد في ممارسة الأنشطة الضارة بالإنسان والبيئة، دفع بعض الدول لاتخاذ إجراءات احترازية. وهناك دولٌ تبنت نهج تشديد العقوبة القانونية على الممارسات غير الرشيدة التي تتسبب في الأضرار الخطيرة على صحة الإنسان والبيئة، لقمع هكذا حالات. ومن القواعد الدالة على ذلك ما تبناه المشرع الإماراتي في المادة (73) في القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 بشأن حماية البيئة وتنميتها، من أحكام مشددة تصل إلى الإعدام على الجريمة البيئية الخطيرة.
تعد العدالة الاجتماعية عماد الدول وبها تستقيم حياة الناس؛ فالمجتمع الذي لا تسوده العدالة الاجتماعية؛ مصيره إلى الفوضى والاضطراب؛ فلا استقرار للمجتمعات بدون عدالة اجتماعية؛ ولذلك حظيت العدالة الاجتماعية باهتمام علماء الشريعة والقانون، بل وعلماء الفلسفة والاجتماع.
وبناءً على ذلك؛ فقد تناولت فكرة العدالة الاجتماعية، موضحاً تعريفها في اللغة وفي الشريعة وعند علماء القانون والاجتماع، مستخلصاً أنها في أبسط معانيها هي حق جميع الأفراد في المساواة في كل شيء، كالحرية، والكرامة، والعمل، وفي التوزيع العادل للثروات، والاشتراك في تحمل التكاليف والأعباء العامة. كما وضحت الارتباط الوثيق بين العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. ولما كان مبدأ المساواة هو جوهر العدالة الاجتماعية في الشريعة والقانون؛ فقد وضحت هذا المبدأ في النظام الأساسي لسلطنة عمان (الدستور)، وفي الشريعة الإسلامية، موضحاً أن مبدأ المساواة في العدالة الاجتماعية لا يعني المساواة الحسابية المطلقة؛ بل المساواة عندما تتماثل الظروف والمراكز القانونية..
العدالة الاجتماعية هي منتهى أمـل الشـعوب والمجتمعـات، ومـا قامـت الثـورات وحدثت الاضطرابات إلا بسبب المطالبة بتحقيق العدالـة الاجتماعيـة. ولـذلك فهـي مـن الموضـوعات التـي أســالت مــداد فقهـاء الشـريعة الإسـلامية، وعلمـاء القــانون والاجتمــاع والاقتصــاد؛ بــل باتــت العدالــة الاجتماعيــة تحظــى بأهميــة كبيــرة علــى المسـتوى الـدولي؛
أن العدالـة الاجتماعية هي “الحالـة التـي ينتفـي فيهـا الظلـم والاسـتغلال والقهـر والحرمـان مـن الثــروة أو الســلطة أو مــن كليهمــا، والتــي يغيــب فيهــا الفقــر والتهمــيش والإقصــاء الاجتماعي، وتنعدم الفروق غير المقبولة اجتماعيا بين الأفراد، ويتمتع فيهـا الجميـع بحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية وبيئية متسـاوية وحريـات متكافئـة، ويعـم فيهـا الشعور بالإنصاف والتكافل والتضامن، ويتاح فيها لأعضاء المجتمع فـرص متكافئـة لتنمية قـدراتهم وملكـاتهم وإطـلاق طـاقتهم مـن مكامنهـا وحسـن توظيفهـا لمصـلحة الفـرد والمجتمـع، ولا يتعـرض فيهـا المجتمـع للاســتغلال الاقتصـادي وغيـره مـن مظاهر التبعية من جانب مجتمع أو مجتمعات أخرى، فعندما تتحقـق تلـك الحالـة في المجتمع يوصف بأنه مجتمع عادل لا يتعـرض للظلـم أو القهـر، ويقـوم علـى مبـادئ المساواة التي هي في الواقع جوهر المواطنـة ومبـادئ التضـامن الاجتمـاعي واحـترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا