بعد أن تمكن الشاب المذكور من العمل كعامل مياوم في مجال البناء، استمر على هذا الحال قرابة سنة ونصف. إلا أنه ذات مرة تعرض لتمزق عضلي أجبره على ترك هذا المجال والبحث عن فرصة أفضل. وبدأ مجددًا البحث عن عمل يحفظ كرامته الإنسانية ويضمن له سبل معيشته اليومية، والتي كان يتقاسمها مع والدته المطلقة وإخوته المتمدرسين. لكن الشاب واجه صعوبة بالغة في العثور على وظيفة مناسبة بسبب قلة الفرص في المدينة وكثرة الهجرة القروية التي أغرقت المدينة بالنازحين من السكان الجدد. هؤلاء الوافدون استقروا في المدينة تحت وطأة الفقر، بينما كانوا يحصلون على امتيازات العلاج والتعليم المجانيين، والتي كانوا يفتقرون إليهما في قريتهم النائية قبل انتقالهم إلى المدينة. كما يقول الكاتب الأمريكي هارولد بلوم: “المدينة هي ملاذ لأولئك الذين يبحثون عن فرص جديدة، ولكنها أيضًا مكان يتطلب التكيف والصبر.”
كان الشاب المذكور طموحًا للغاية، حيث كان يحرص على الذهاب كل صباح باكر من منزله إلى منطقة صناعية تبعد عن المدينة مسافة سبعة كيلومترات تقريبًا مشيًا على الأقدام. ورغم هذه المسافة، كان مصممًا على قطعها سيرًا انتظارًا لتغير القدر. استمر في الذهاب والإياب دون أن يحقق شيئًا إيجابيًا، فلم يجد عملاً ولم تتاح له أي فرصة. ورغم سوء الحال، لم يجعله ذلك يضجر أو ييأس. على العكس، زادته الصعوبات ثقة بالنفس، وأصبح شابًا صلب الإرادة وقوي العزيمة. كما يقول الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو: “لا يمكننا تغيير الظروف، لكن يمكننا تغيير أنفسنا. الشاب الطموح هو من يختار التحسين بدلاً من الاستسلام.”
وذات مرة، بينما كان هائمًا في التفكير حول حالته الشخصية ووضعية أسرته المزرية، منحته الأقدار فرصة العمل في المجال الرياضي بفضل مؤهلاته التقنية والميدانية في مجال التدريب الرياضي. توفرت له فرصة سانحة عندما تم توظيفه في نادي رياضي متخصص في كمال الأجسام في مدينته الواقعة بدولة فوس العظيمة. بفضل هذه الفرصة، استطاع أن يعتني بأمه المسنّة وإخوته القاصرين، حيث تكفل بمعاشهم اليومي وسدد القسط الأكبر من مصاريف علاج أمه التي كانت تعاني من ورم خبيث في الرحم (سرطان عنق الرحم.(
هذا المرض الذي عجز الأطباء عن إيجاد علاج له كان تذكيرًا بأن الشفاء بيد الله وحده، ولا شفاء إلا شفاؤه سبحانه وتعالى. من خلال صبره وعزيمته، أدرك الشاب أن الصبر على المرض والابتلاء هو ما يساعد المريض وأهله على التعايش مع الألم حتى يتم الانتصار على المرض أو الوصول إلى النهاية. كما يقول الطبيب الجراح البريطاني روبرت شيلدز: “الأوقات الصعبة لا تدوم، ولكن الأشخاص الصبورين يدومون.”