إن حياتنا دومًا في احتياجٍ لتبيان وإيضاح مستدامٍ يكشف لنا ما يتعلق بصحة ما نعتقده وصورة العبادة في مضمارها الصحيح وما نمارسه من معاملات وما نؤكد عليه من آدابٍ عامةٍ وخاصةٍ قد تزين حُسن الممارسة، وما نتطلع إليه في مناشط الحيوات من أمورٍ لا ندري أهي واجبةٌ أم مستحبةٌ أو مكروه أم محرمة، وكل ما ذكرناه ينبري تحت مظلةٍ كبرى تقوم بها هيئة مستقلة تسمى بدار الإفتاء.
ولدار الإفتاء المصرية وظائفٌ، تكمن في الإجابة عن أسئلة السائلين على اختلاف أجناسهم وصفاتهم وأوطانهم فيما يتعلق بالحكم الشرعي عما يسألون عنه، وبيان الحكم الشرعي فيما يرد إليها من قضايا محكمة الجنايات الخاصة بعقوبة الإعدام، وتدريب المبعوثين بدار الإفتاء، وإصدار البيانات الخاصة بتحديد أول وآخر كل شهرٍ عربي، وطبع الفتاوى الإسلامية التي تصدر عنها، وقد صدر حتى الآن اثنان وعشرون مجلدًا عن دار الإفتاء المصرية اشتملت على آلاف الفتاوى، وهذه المجلدات توزع مجانًا على دور المحاكم على اختلاف درجاتها، حتى يطلع عليها السادة القضاة والمستشارون وغيرهم.
وفي ضوء ذلك يتصدى مفتي الديار المصرية بعلمٍ مبينٍ وعقيدةٍ راسخةٍ وفقهٍ عميقٍ لكافة ما يحتاجه المجتمع من فتاوى وتساؤلات تخص أمورهم العقدية والحياتية بتلوناتها، وما يستعصي عليهم من تساؤلات ومسائلٍ تبدو شائكةً في مكنونها؛ فيزيل التشابك ويوضح الأمر في جلاء يجعل النفوس مطمأنة والوجدان صافيًا، لا تعكره الأفكار الشاردة والواردة ولا الأقاويل الباطلة من منابر غير المتخصصين والمنتشرين عبر الفضاء المنفلت.
وحري بالذكر أن مفتي الديار المصرية تقوم فتواه وفق دليل شرعي ومسوغ عقلي وتعقل وتدبر وتفكر في الأمور ومجرياتها الحالية؛ فما تقتضيه المصلحة وما يتفق مع صحيح المقاصد الشرعية تؤسس عليه الفتاوى، ومكانة فضيلة المفتي محفوظة مرموقة محميةٌ بسياج ومنعة وقوة الدولة، وما نص عليه دستور البلاد؛ لخطورة الرسالة وأهميتها وضرورتها في مجتمع نأمل منه التقدم والترقي والازدهار.
وفضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم عبد الكريم علام، مفتي الديار المصرية، ورئيس المجلس الأعلى للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، له سيرة عطرة مملؤة وممزوجة بالعلم والخبرة في العديد من المجالات، وله باع في البحث العلمي الذي يعد لبنة الفكر الرشيد وعماد التجديد في عالم يموج بمتغيراتٍ ليست بالحميدة في جملتها.
فالحق أن الرجل لديه من مؤلفات لبنة فكره فيما يخص الافتاء الكثير، وهذا يجعله موفقًا ومسددًا ومعانًا بفضل الله ومنته وكرمه وفيض عطاءه فيما يقدم من فتاوى ترسخ للاستقرار النفسي والمجتمعي، وتحافظ على النسق القيمي، وتجعل الود والمحبة بين الناس أصلًا في ماهية التعاملات والعبادات، ولا تفتح مجالًا للتخبط والاجتهاد المبني على خرافات الذي يدعون العلم والمعرفة وهم عنها ببعيد.
كما أن الدور الجامعي الذي ينبري على عطاء في تقديم تدريس متميزٍ بلون الشروح الفياضة لطلاب العلم ومريديه، والإشراف الأكاديمي لبحوث ودراسات في مجال درجات التخصص والعالمية، وما يقدم من خدمات مجتمعية تترجمها المؤتمرات والمشاركات في ضروب وصور التوعية الممنهجة منها والمنضبطة والعفوية، كل ذلك وغيره من أنماط وأشكال المدد والعطاء يؤكد تمكن مفتي الديار المصرية مننجاحات في إصدار العديد من الفتاوى الإسلاميةوالمجتمعية التي يصعب حصرها.
وندرك أن فضيلة المفتي من الراسخين في العلم، ومن الذين لديهم المقدرة على خدمة الوطن الحبيب؛ فمن خلال الفتوى ببعض المسائل الشرعية تتأثر قطعًا سياسة الدولة؛ فتنظم أمورها وتعاملاتها وفق ما يصدر من فتاوى؛ فهناك حقوقٌ وواجباتٌ وهناك معتقدات ومعاملات وتعاملات تقتضي ممارسات وإجراءات تنظيمية ينال منها الفرد والمجتمع ما يصبوا إليه بصورة مشروعة.
نشهد للرجل بسلامة العقيدة، ونقاء وصفاء النية والسريرة، والسيرة المحمودة، وطهارة القلب، وعفة اللسان، وصفاء الوجدان، وشجاعة القول، والنطق بالحق، ونثمن دوره في تعضيد ماهية الوطن، ودعمه، واستقراره عبر فتاوي صريحة لا تحمل التأويل ولا تحتاج لتفسير؛ فبيانها واضحٌ ولغتها مفهومةٌ للقاصي والداني، ونتمنى له التوفيق والسداد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر