أن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي ..على ما يبدو فإن المجلس الأعلى للجامعات قرر أخيرا التحرك أو في طريقه للتحرك بعد كل تلك الضجة المثارة حول حفلات التخرج بالجامعات وما أثارته من استياء ورفض شعبي كامل لما يحدث من مهازل أخلاقية وتربوية يندى لها الجبين على مدى سنوات وسنوات..
فبحسب تصريحات المتحدث باسم وزارة التعليم العالي فإن السيد الوزير الدكتور أيمن عاشور وجه بسرعة إجراء تحقيقات عاجلة في المخالفات التي شهدتها بعض حفلات تخرج الطلاب ببعض الجامعات والمعاهد وإفادته بنتائج التحقيق بشكل عاجل موجها باتخاذ كافة الإجراءات المقررة قانونًا تجاه كل من شارك في تنظيم وإدارة هذه الحفلات من كافة مستويات المنظومة على مستوى أعضاء هيئة التدريس والإداريين والطلاب.
تبع ذلك تصريح للدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات عن تشكيل لجنة من المجلس سوف تعرض نتائج أعمالها في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات القادم بشأن تطبيق الآليات التنفيذية التي تحقق الحفاظ على الأعراف والتقاليد الجامعية وتصون هيبة الجامعات وصورتها في المجتمع كما يناقش المجلس الأعلى للجامعات في اجتماعه القادم آليات تنفيذ القانون من خلال الجهات المعنية بالدولة تجاه كل من يستخدم اسم الجامعات أو الكليات في تنظيم حفلات تخرج خارج أسوار الجامعة مُستغلًا أسماء الجامعات والكليات المختلفة.
الحقيقة لا أعرف سببا واحدا حتى الآن وراء صمت المجلس ومعه وزارتا التعليم طوال تلك السنوات وحتى الآن على بيزنس حفلات التخرج والتى تزكم روائحها الانوف كل عام سواء داخل أسوار الجامعات أو خارجها في الفنادق الفخمة وبحضور نجوم الطرب والرقص إياهم واياهن حتى انتشرت العدوى في أوصال الحلقات التعليمية من الروضة حتى الثانوية العامة وهي حفلات رغم انف أولياء الأمور مثل عقود الإذعان ما عليهم إلا الدفع بالتي هي أحسن أو غيرها وبعض الحفلات كانت مزعجة أدبيا وأخلاقيا ورغم ذلك لم يتحرك أحد..
غير خاف أن هناك مافيا تدير حفلات التخرج تستغل الجامعات والطلاب وتجعلهم ستارة لأعمال تجارية فظيعة تتحالف فيها جهات تزين الباطل وتعرف كيف تستنزف أولياء الأمور الذين يخضعون بلا أي مقاومة لرغبات الشباب.. متعهدو الحفلات ينشطون طوال العام تقريبا في الإعداد التصوير والإخراج وإعداد فقرات للحفل واحيانا فقرات تمثيلية للتلاميذ على المسارح والاتفاق مع المطاعم ومحلات الحلويات الشهيرة ومع المطربين والراقصين وما يلزم من تصوير فيديو لكل طالب وهو يكرم ويتسلم الشهادة وهو يرقص مع زملائه والعداد يعد والحسابة تحسب والمجتمع يلطم.. حيث يتم إبلاغ كل طالب قبل الحفل بالتكاليف الخاصة به للصور والفيديوهات الفردية والجماعية وطباعة شهادة التخرج والصور وبراويزها واشكالها وأحجامها وغير ذلك!!
والادهي من ذلك أنه يتم في بعض الأحيان أن تطلب بعض الدفعات ما يطلق عليه (fun day) كبديل عن حفل التخرج ويتم تنظيمه من دون أرواب أو شهادات ويكون تجمعاً احتفالياً يضم فقرات موسيقية متنوعة وفي بعض الأوقات يجري تنظيمه في أحد المنتجعات القريبة من القاهرة مثل العين السخنة بحسب شهادة متعهدين!
لست ضد الاحتفاء بالخريجين وتكريم أوائل الدفعات والنوابغ المتميزين في كل الجامعات ولكن عندما يتحول الأمر إلى فوضى وينقلب إلى نوع من المساخر الاجتماعية لابد من وقفة جادة وحازمة من كل الأطراف الرسمية والشعبية ومن أولياء الأمور قبل المدرسة والجامعة حتى لا يقع المجتمع في فخاخ الانفلات والفوضى وتخرج الأمور عن السيطرة ويجلس الجميع يعض اصابع الندم وساعتها لن يجدي بشيء.
أتساءل هنا عن مراكز ووحدات الرصد الاجتماعي وهل هي موجودة بالفعل ام لا واذا كانت فأين هي من كل ما يجري اين مركز البحوث الاجتماعية والجنائية..وما شابه من التغيرات الحادة في السلوك وداخل المجتمعات من أمور تهدد منظومة القيم والأخلاق والسلام الاجتماعي والنفسي؟!
اذكر أن العالم الكبير د. رشدي فكار رحمه الله وكان أحد اساطين فلسفة علم الاجتماع وقد التقيته وأجريت معه حوارات عدة كان يركز دائما في لقاءاته الحافلة عند زيارته للقاهرة على أهمية إنشاء وحدات الرصد الاجتماعي لتسجيل ومتابعة ما يحدث من ظواهر غريبة أو غير طبيعية في المجتمع ودراستها جيدا ومعرفة اسبابها الحقيقية واقتراح خطط المواجهة والحلول المناسبة..
لست متأكدا من أن وحدة الرصد الإجتماعي في الأزهر الشريف لاتزال تعمل ام لا..وإذا كانت موجودة فمن الضروري الافادة والاستنارة بما توصلت إليه..
الموضوع جد خطير والعبث في المجال الحيوي للشباب أشد خطورة وأعظم بأسا..والاقتراب من الحراك الشبابي والتأثير فيه سلبا أو إيجابا خطر لو تعلمون عظيم وما حدث ويحدث في الجامعات الغربية نموذج ليس ببعيد.. فاي تغير سلبا أو إيجابا مع الشباب من المفترض أن يدق النواقيس للإنتباه لما هو قادم سواء لتجنبه والحذر منه أو لدعمه والتشجيع عليه..
لاتتركوا الشباب ألعوبة في أيدي محترفي العبث بالعقول والمتربصين بالوطن في كل وقت وحين ونحن في غفلة ساهون!
والله المستعان..