في العتمة،كان ضوء الفانوس الضبابي ،يلقي بوهجه على وجه رجل ما،رجل كأنني كنت أعرفه يوما،لا،بل كانا وجهين،وجه لرجل وخلفه وجه لا أكاد أتبين ملامحه من شدة غموضه ،سقط الضوء خفيفا على ذراعيّ الرجل ،عندها انتبهت للقيود في معصميه ،كانت السلاسل تمتد من ذراعيه لتستدير كقلادة تزين جيد ذلك الوجه الخلفي ،إنه وجه امرأة،أو ربما شيء آخر ،غير مفهوم الملامح ،أنف طويل كمنقار معقوف يكاد يسقط في فمها،وبعض الشعيرات المتفرقة ،مازالت مزروعة في رأسها الذي يكاد يكون أصلعا،شفتاها تبتسمان لي بخبث ،زاده الظلام رعبا،كانت تتزين بالسلاسل التي قيدت بها رجُلها،كعقد تلفه آلاف المرات حول عنقها الملغم بالكلمات ،وفي نهاية العقد قفل فيه سرها،عدت وسلطت ضوء القنديل على وجه الرجل ،بدت لي عيناه مسحورتين هائمتين تحت تأثير قفل القلادة،يداه ترتجفان ،مذبوحتين بقيود سنوات من الأسر المحبب إلى قلبه،ياله من رجل غريب !!!
عيناه فيهما نداء صريح ،يصرخ بي،حرريني ،حرريني،خذيني إليك .
لكن جسده ملتصق بمقيدته،يتدفأ بنار شررها،بلحمها،بعطرها،بسجنها الأبدي ،تقدمت نحوه قليلا ،أردت أن أهمس له،مابك؟،لمَ أنت مستسلم هكذا؟
فصم أذني صوت ضحكة متسلطة ،يرافقها صوت رنة القفل ،وهي تحركه مابين أصابعها ،تتلاعب بالقفل في جيدها ،لتخبرني بصمت الساحرات ،تقول لي سرا برنة قفلها (ابتعدي عنه أيتها الحمقاء ،هو لي ،ملك يدي)
هرولت فزعة ،ركضت ولم التفت ورائي ،لكن سؤالا ساخرا وفضوليا ،كان يزعق في رأسي ، ترى كيف له أن يقبل شفتيها؟!!
أيقطع أنفها الطويل المعقوف ؟!!،أم يلصق شفتيه بالقفل ،فيمتص صدئه كقبلة حب، تتركه مسرنما ،مخدوعا،ثم يذوي بين أحضانها، كفتات الشمع المحتضن جسد خيطه المشتعل !!