عندما يواجه الإنسان المحن والصعاب منذ صغره، ثم تزداد عليه هذه التحديات في مرحلة شبابه، يتعين عليه الاختيار بين الصمود في وجه عاصفة الحياة أو الاستسلام لها. في حالة الصمود، يمكن أن تسهم هذه الآلام والتحديات في تقويته، ليصبح شخصًا صلب الإرادة، قوي العزيمة، وثابت الموقف. هذه التجارب تُشكّل شخصية قوية ومتماسكة، قادرة على مواجهة الصعوبات بجرأة وثبات.
أما إذا استسلم الإنسان لهذه الصعوبات، فإن النتائج قد تكون مؤلمة للغاية. الاستسلام للضغوطات يمكن أن يؤدي إلى فقدان المشاعر والأحاسيس الإنسانية، وتحول الإنسان إلى كائن غير رحيم، يتعامل مع العالم بلا شفقة. في هذه الحالة، يصبح الظلم والجريمة جزءًا من حياته اليومية، ويعيش في دائرة من القسوة واللامبالاة.
تجسد هذه الحقيقة القاسية عالمًا يفرض على من يعيش فيه خيارًا صعبًا: إما أن يواجه التحديات ويتعلم منها، أو أن يغرق في أعماق الظلام والجمود النفسي. الحياة ليست دائمًا عادلة، وتقدم لنا دروسًا قاسية؛ فقد نعيشها كما نريد، أو نكون تحت وطأتها ورحمتها. ما نختار أن نفعله في مواجهة هذه الظروف يشكل مسار حياتنا ويحدد هويتنا، ويعكس كيفية تعاملنا مع الصعاب التي تقف في طريقنا.
بالنسبة لي، أنا لست ملاكًا منزَّهًا ولا شيطانًا رجيما، بل كائن بشري يحمل صفة إنسان ضمن هذا الوجود الكوني. تعرضت للفقر والمعاناة فترة طفولتي، وواجهت الحياة بكل قسوتها وجرأتها، فقد طالتني بشتى أنواع الظلم والذل والاحتقار. ورغم كل هذا، أدركتُ أن الحياة كانت تسعى لمقاومة كبريائي وصراع قوة شخصيتي، لأنها تعلم، رغمًا عنها، أن الأسود البشرية لا تنحني إلا أمام خالقها، ولا تقهر إلا ليقينها أن الله هو القاهر فوق عباده.
عندما وجدتُ نفسي على حافة الانهيار النفسي والانحلال الخلقي والانحدار العاطفي، طلبتُ من الله أن يمنحني ما يُغذي روحي ويقوي عزيمتي ويمنحني طاقتي وحيويتي. وتدريجيًا، وبمقدار ما وجدتُ ضعفًا في ذاتي، أدركتُ أن الله قد منحني أشياء قدرية تجعلني أسجد له طويلاً وأحمده كثيرًا. سجدتُ له لحظة قمة ضعفي، ومن ثم:
لقد أظهر الله لي أن في أعظم لحظات الضعف تكمن أعظم دروس القوة والإيمان. من خلال النعم التي منحني إياها، تعلمت أن الضعف ليس نهاية الطريق، بل هو بداية رحلة جديدة نحو القوة الحقيقية والتواصل الروحي العميق.
طلبتُ من الله القوة، أعطاني الصعوبات لأصبح قويًّا. لم يكن الطريق سهلاً، لكن كل تحدٍّ كان يُضيف إلى قدرتي على الصمود والتغلّب على الصعاب. كانت تلك الصعوبات، رغم قسوتها، بمثابة أُسُس لبناء شخصيتي. تعلمتُ من كل تجربة أن القوة ليست مجرد سمة، بل هي نتاج معايشة الألم والنجاح في مواجهته، وأنه من خلال هذه التجارب، نكتسب الصلابة والقدرة على التكيف والنمو.
طلبتُ من الله الإمكانات لكي أنجح، فتسلحتُ بالضعف، الذي كان دربًا للتواضع. في رحلتي، أدركتُ أن النجاح ليس مجرد وصول إلى قمة معينة، بل هو رحلة متواصلة من التعلم والنمو. كان الضعف بمثابة معلمٍ أعطاني دروسًا قيمة في الصبر والتواضع، وكشف لي أن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على التعلم والتطور من خلال التحديات، وليس فقط في تحقيق الأهداف المادية.
طلبتُ من الله الغنى لأجد السعادة، فأعطاني الفقر الذي علمني الحكمة. في زوايا الفقر وجدتُ دروسًا ثمينة، حيث أدركتُ أن السعادة الحقيقية لا تأتي من المال، بل من فهمنا العميق لقيمة ما نملك. لقد تعلمتُ أن الفرح والرضا ينبعان من التقدير لما لدينا، وليس من السعي وراء ما لا نملك. الفقر علمّني أن الرضا الداخلي والسلام النفسي يأتيان من القناعة والتقدير للأشياء البسيطة التي نملكها، ومن القدرة على إيجاد الجمال والفرح في حياتنا كما هي.
طلبتُ من الله السلطة لأنال تقدير الناس، فأعطاني الضعف ليدفعني إلى إدراك حاجتي إليه. في لحظات الضعف، تعلمتُ أهمية الاعتماد على الله في كل خطوة. كان الضعف درسًا حقيقيًا في التواضع والاعتماد، حيث فهمتُ أن القوة الحقيقية لا تأتي من السلطة أو التقدير، بل من الثقة والتوكل على الله في كل محنة. أصبح الضعف أداة لتعلّم الدروس الأكثر عمقًا حول الاعتماد على الله والبحث عن القوة الحقيقية من خلال الإيمان والثقة في قدرته.
طلبتُ الحكمة، فأعطاني الله المشاكل لأحلها. كل مشكلة واجهتها كانت درسًا عميقًا في كيفية استخدام العقل والبحث عن الحلول. من خلال هذه التحديات، تعلمتُ أن الحكمة لا تأتي من المعرفة فقط، بل من القدرة على التعامل مع الصعاب وتحويلها إلى فرص للتعلم والنمو. كل تجربة صعبة كانت تُضَيف إلى فهمي للحياة، وتُعلمني كيفية مواجهة التحديات بإبداع وصبر، مما أثَرَى قدرتي على الاستفادة من كل عقبة كفرصة لزيادة حكمتي ونضجي.
طلبتُ الرزق، فأنعم الله عليّ بالعقل والقدرة على العمل. أدركتُ أن الرزق لا يأتي إلا بالجهد، وأن العمل هو مفتاح التوفيق. في كل عمل قمت به، اكتشفت أن السعي والإخلاص في العمل هما السبيل لتحقيق الرزق الحقيقي، وأن النعم تأتي من الاستمرار في الاجتهاد والمثابرة. بفضل تلك القدرة على العمل، تعلمت أن الرزق ليس مجرد حصيلة مادية، بل هو ثمرة الجهد المستمر والإخلاص في كل ما نقوم به.
طلبتُ الشجاعة، فاختار الله أن يمنحني الخطر لأتغلب عليه. في خضم مواجهة المخاطر، نمت شجاعتي وازدادت قوتي. كانت كل تجربة صعبة بمثابة اختبار يعزز من عزيمتي ويصقل إرادتي، مما مكّنني من اكتشاف قوة داخلية لم أكن أدركها من قبل. من خلال التغلب على التحديات، تعلمتُ أن الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على الاستمرار رغم وجوده، وأنها تنمو مع كل تحدٍّ أواجهه بشجاعة وثقة.
طلبتُ الحب، فأنعم الله عليّ بأناسٍ بحاجة إليّ لأساعدهم. في تقديم المساعدة، شعرتُ بالحب الذي يفوق كل ما كنت أبحث عنه. من خلال العطاء والتفاني في خدمة الآخرين، اكتشفت أن الحب الحقيقي ينبع من القدرة على مد يد العون وتقديم الرعاية، وأن هذا النوع من الحب يعمق الروح ويملأ القلب بأعظم السعادات. في كل لحظة من لحظات العطاء، شعرتُ بأن الحب يتجلى بأجمل صوره، وأن السعادة تأتي من العناية بالآخرين ومشاركة تجاربهم وأحلامهم.
طلبتُ المعروف، فأنعم الله عليّ بالفرص. كل فرصة كانت بمثابة درس جديد تفتح أمامي أبوابًا لم أكن أتخيلها. من خلال الاستفادة من هذه الفرص، تعلمت أن المعروف لا يقتصر على العطاء المباشر، بل يمتد إلى استثمار الفرص للنمو والتطور الشخصي. لقد ساعدتني هذه التجارب في اكتساب رؤى جديدة، وأثرت حياتي بشكل عميق، مما أضاف قيمة حقيقية إلى رحلتي.
لم يعطني الله كل ما طلبت، لكنه منحني كل ما أحتاجه، لأعيش حياة مليئة بالتعلم والنمو والحكمة. من خلال ما أُعطيت، تعلمتُ أن الحياة ليست فقط عن تحقيق ما نريد، بل عن اكتساب الدروس التي تقوينا وتجعلنا أكثر فهمًا لذاتنا وللعالم من حولنا. كل تجربة، مهما كانت صعبة، كانت هبة من الله تفتح لي أبواب الحكمة وتُثري حياتي بكل ما هو ضروري للنمو الحقيقي. هذه التجارب علمتني أن الحياة تُبنى على التعلم من التحديات وتقدير اللحظات التي تشكلنا، مما يمنحنا القوة والقدرة على تحقيق التوازن والرضا الحقيقي.