صدر مؤخرًا كتاب “طوفان الأقصى معجزة العصر” للمفكر والكاتب الصحفي الكبير مؤمن الهباء، وهو الكتاب الأول في العالم الذي صدر حول الموضوع على حد علمي – فلم نقرأ رغم متابعتنا عن كتب نشرت في الموضوع.
خرج الكتاب قبل أن تضع الحرب أوزارها في ثقة بنتائجها التي بدت من أولها، ومن منهجية أصحاب الطوفان وفكرهم الذي بدا واضحًا من شعارهم الذي آمنوا به وأيقنوا أنه الحل والسبيل الوحيدة للوصول إلى الحق، وعرفوا من خلال تاريخ طويل مع عدوهم أنه الآلية الوحيدة للتعامل مع هذا العدو الدموي.أما الشعار فهو ” إما نصر أو استشهاد” .
والحقيقة أن هذا الشعار لم ترفعه أمة لها حق ولديها إيمان بهذا الحق واستعداد لتقديم ما يحمله هذا الشعار من تضحيات بكل غال ونفيس مهما أوتي أعداؤها من قوة سلاح وعون من قوى الظلم ومهما تخلى عنها الآخرون إلا وحققت هدفها.
الكتاب تضمن مقالات الكاتب التي واكبت الحدث لحظة بلحظة تأملا وتحليلا ودعما وتوعية لجماهير الأمة بعبقرية الحدث وعبقرية من قاموا به وعبقرية من يديرونه وأهمية الافادة به والانطلاق منه.
بلغت المقالات ٤٠ مقالًا و مقدمتين الأولى للروائية الكبيرة نجلاء محرم ،والثانية للدكتور حلمي محمد قاعود أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب بجامعة الزقازيق وقد صدر الكتاب عن مركز نهر النيل للنشر
جاء المقال الأول تحت عنوان: طوفان الأقصى وكشف الحجب يتناول النتائج الأوليه والأهم للمواجهة ألا وهي كشف حقيقة أسرائيل وقوتها الحقيقية والتي تسوّق نفسها ويسوقها إتباعها للعالم العربي على أنها غول لا طاقة لقوة مهما بلغت أن تقف في وجهها . فها هي عارية فلا هي بالقوة المدعاة ولا مخابراتها قادرة على معرفة ما كان يتم ترتيبه لها .
كما كشفت الحرب حقيقة أمريكا وعنصريتها فهي عدو واضح لم يخجل أن يكشف عداوته . وأن الحديث عن الحرية والإعلام الحر والعالم الغربي المتحضر حديث خرافة لا أصل له فها هي الآلة الإعلامية الأمريكية والأوروبية تكذب وتنقل أكاذيب نتانياهو بأن المقاومة قطعت رءوس الأطفال وهو ما لم يحدث . ثم ينتهي المقال بأخطر ما كشف عنه طوفان الأقصى إلا وهو أن الحلم العربي قابل للتحقيق وليس كما حاول الغرب ترويجه وتثبيته في عقولنا من خلال رجاله بتغيير المناهج في البلاد العربية وتشويه فكرة الجهاد ومحو أي حديث عن الرموز الإسلامية والعربية ومن خلال إعلام يحرص على التشكيك الممنهج في الدين والطعن في السنة النبوية وتشويه الصحابة والقادة التاريخيين. ثم ينتهي المقال إلى أن انتصار المقاومة يعني فشل المشروع التغريبي القائم على الانبطاح الثقافي والفكري.
تحت عنوان ” حان وقت الانعتاق” ركز الكاتب علي حقيقة كانت قد توارت وأصبحت في هامش الذاكرة بل أصبحت محل نقاش والرفض أو القبول من كثرت ما جرى لها من تشويه إلا وهي: إن ما حدث في غزة هو قضية كل عربي ومسلم وليس قضية الفلسطينيين فقط وإن جوهر الحرب الآن هو نفس جوهرها أيام الحروب الصليبية وهي القدس وإن المواجهة في حقيقتها مواجهة حضارية وعقائدية فهي لا تخص شعبًا دون شعب بدليل أن الغرب حشد كل إمكانياته لصالح إسرائيل لكننا لم نستطع أن نفعل.
ثم يقترح الكاتب حلا لحالة الهوان العربي التي لا تستطيع أن تتخندق مع المقاومة يتمثل في الانعتاق من الهيمنة الغربية بأحياء مفهوم الأمة الإسلامية لتصبح: إذا اشتكى منها عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى ، وأن نتخلص من حالة الوهن التي تتداعي فيها الأمم علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها.
والكتاب يمثل صرخة لإعادة وعي الأمة التي تعرضت خلاعقود طويلة لحالة تشويه وتغييب للوعي الذي كان يدفعها إلى بوصلة الصواب كلما واجهت خطرًا ما ذلك الوعي الذي ينطلق من دينها وحضارتها ومصالحها العليا .
اعتمد الكاتب على المنطق العقلي في النقاش والتحليل ووعلى ثقافته الواسعة وتجربته الفكرية العميقة وفقدم على مدى الكتاب رؤاه التي من شأنها تنشيط الهمة العربية والإسلامية للتخلص من حالة الانهيار الشامل في جسد الامة.
لا ننسى أن نشيد بالغلاف الذي جاء بسيطًا ومعبرًا عن موضوع الكتاب وعن أحد أبطال هذه الحرب ألا وهو الإعلام الفلسطيني متمثلا في صورة أبو عبيدة في قلب العلم الفلسطيني الذي أخذ اللون الابيض المساحة الأكبر منه فجاء الغلاف مبهجًا في تعبير عن مستقبل هذه الحرب رغم ما فيها من تضحيات.