جعل الله في هذا الكون ثوابت لا يعتريها الزوال إلا بفناء الدنيا، الشمس تسطع ليفجر ضوئها العالم النهاري الحسي، والقمر يبزغ لينير الظلمة الدامسة، والماء يجري ليسقي الحرث، فينبت به زرعاً مختلفاً ألوانه، ويروي ظمأ الكائنات على اختلاف أنواعها وأجناسها، وفي شخص محمد صلوات ربي وسلامه عليه كل ما سبق، شمس منيرة، وقمر مضيئة، وماء يتدفق عذبه في فلك الزمان لا يتغير نقاؤه…
والثابتات زائلات بنهاية هذه الدنيا، فإذا عزبت الشمس، فشمس محمد بازغة دائبة يوم الحشر، وإذا مُحيت السماء أقماراً ونجوماً، فقمرُ محمدٍ وهاجاً يوم الفصل، وإذا جفت ينابيع الماء، فحوض محمد كوثراً لا ينضب…
والشمس والقمر حلقتان واصبتان في الماضي والحاضر وقليل من المستقبل، ولعمر محمد أنه ماض بهي، وحاضر دري، ومستقبل زهي…
الحياة تستمد حيويتها من خصائص المادة، فالشمس وإن عمرت والقمر والنجوم والجبال والماء مهما لبثت، فإن آجالها نسبية تنتهي مع فناء الدنيا …
أما الدين فهو المطلق التام، الذي تنبض منه الفضائل وتنهض، وتربض عليه الأخلاق ولا تعدم، وما جاء الدين إلا عبر محمد، وتمام الدين في تمام شريعة محمد … الذي وضع الله فيه إشراقات الوحي الإلهي، وإرهاصات النور الرباني، في أكمل وأجل حقيقة ماثلة للثقلين، على اتساع مدة الدنيا وإلى يوم الدين …
يُدوي اسم محمد في كل لحظة يرفع فيها الآذان، في كل بقعة من بقاع الأرض، وفي كل ركعة وكل سجدة، في الفريضة والنافلة، في حياته وبعد مماته.. ولا تجاز الشهادة إلا باستيفاء اسمه صلى الله عليه وسلم في الشطر الثاني من جملة التوحيد شرطاً مشروطاً لتحقق الإسلام…
وتبلغه صلوات الموحدين وهو في مرقده الشريف غدواً ورواحا، وأول من ينشق عنه القبر هو، ليتقلد فرادته على ما سواه من كل البشر، فرادته التي تبوءها قبل آدم أبوالبشر، وفراسته التي جعلته نسيج وحده بين جموع البشر، وأسبقيته التي جعلته أكمل وأجمل البشر، وأفضليته وأعظميته التي نالها من رب البشر… فأنىّ يغيب نجمه؟ وكيف يأفل قمره…
وهو الكمال البشري الخُلقي الذي رجح بنقصان كل البشرية، وهو الجمال الخِلقي الطاغي، فخامةً ووسامةً، بلاغةً وفصاحةً، حسناً وبهاءً …. فأتم الله به كل ثلمات اعترت جوانب العالمين، لأنه ولا غرو ولا ريب سيد العالمين …
وهو الذي أوتي من ربه الفضائل والشمائل كها، والمحاسن كلها [ جوامع الكلم وحده، دونما عن سائر الأنبياء والمرسلين، والنصر بالرعب مسيرة شهر، والغنائم، وجعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهورا…
هو مفخرة التاريخ قبل أن يولد التاريخ وتتشعب حلقاته، وتتمدد أحداثه وعبراته…
وأمثولة الإنسانية الأعظم والأفخم وهي في جوف العدم، وسيد الأنبياء وإن كان آخرهم، وإمام الأنبياء وإن كان خاتمهم…
سيدهم عند العروج المبارك إلى أقصى السماوات العلى عندها جنة المأوى، وإمامهم في الصلاة الميمونة ليلة الإسراء الدجى…
والكائن الوحيد بين أهل السماوات والأرض، الذي يقسم الله بحياته[ لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ] الحجر ٧٢
وهو البشري الوحيد الذي جمع الله له بين الشمس والقمر [ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ] الأحزاب ٤٦
وهو النبي الوحيد الذي لم يذكر مجرداً في القرآن الكريم [ يا أيها النبي… يا أيها الرسول ] ولما جاء لفظ محمد، كان في سياق خبري لا ندائي…
وهو مناط الاستقرار للدين والدنيا، ومركز الجاذبية الأرضية مولداً وحياة وموتاً …
بأبي وأمي وروحي محمد صلى الله عليه وسلم…..