يعتري المجتمعات المؤسسية حالة من الارتباك والتفكك حال تمكن وانتشار الفساد بين مكونه؛ نظرًا لأن الفساد يتسبب في فقد سيادة النظام القيمي الذي من المفترض أن يؤمن به الجميع، كما يؤكد ذلك أيضًا على مسلمة رئيسة تتمثل في ضعف الاحترام لنصوص القانون ومواده؛ فتغيب ثقافة الحقوق، وتسود ثقافة المخالفات التي يجني منها البعض الإفادة، ويتكبد الخسارة جل المجتمع المؤسسي جراء ممارسات الفساد، ناهيك عن حالة الشعور بالإحباط التي تنتاب منتسبي المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
ورغم انتشار صور الفساد المؤسسي في أرجاء المعمورة؛ إلا أن الدولة المصرية من خلال أجهزتها المعنية تواجه الفساد؛ حيث تبذل وتكثف الجهود تجاه ضبط وقائعه داخل المؤسسات، ومن ثم تعمل على الفور في اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال ما يثبت من مخالفات وفق توافر الشواهد والأدلة، وفي هذا الإطار نود أن يمتلك الجميع ثقافة مكافحة الفساد وطرائق مقاومة من يقومون به، ويقترفون المخالفات الصريحة منها والخفية على السواء، وهو ما يقع تحت مسمى إيجابية المشاركة في كشف الفساد.
وفي خضم ما تتبناه المؤسسات من غايات تخدم مصالح الدولة العليا في مجالاتها المختلفة بات نشر ثقافة مكافحة الفساد فرض عين على الجميع؛ فبلا جدال يؤثر الفساد على كافة أنشطة الدولة وما تقوم به من ممارسات ترتبط باستراتيجيتها التنموية، ولا يبدو التعامل مع هذا الملف صعبًا؛ إلا أنه يحتاج بمطالبة جماعية من قبل المنتمين للمؤسسة بإنفاذ ماهية الشفافية، ومن ثم يساعد ذلك في الكشف عن مظاهر ودروب الفساد، كما يوقظ القائمين على إدارة المؤسسات اتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية التي تقضي على مصادر ومنابع الفساد المؤسسي.
وهنالك إشكالية تُعد سببًا رئيسًا لانتشار الفساد المؤسسي تبدو في قيام فرد بعينه بكافة المهام وتصريف أمور المؤسسة؛ فيجد لديه العديد من الصلاحيات التي تخول له القيام بالمخالفة دون مراجعته، ويصبح منتسبي المؤسسي بمثابة المتفرجين، وبالطبع هذا لا يتوافق مع صحيح القوانين المنظمة لعمل المؤسس بغض النظر عن نشاطها وما تؤديه من مهام وخدمات أو ما يتمخض عنها من نتاج في صورته المتباينة.
ونذكر أن الفساد المؤسسي له آثار مدمرة خاصة على الموارد البشرية بالمؤسسة؛ فعندما تقترن وظيفة ما بشخص ما، لا بكفاءته في ضوء معيارية واضحة لا يعتريها الشك أو التشكيك؛ فإن الباب بات مفتوحًا لتجاهل أصحاب الكفاءات والخبرات ومن يمتلكون مقومات الإنتاجية بصورها المختلفة، ومن ثم تنغلق مسارات الابتكار ويصبح النظام الروتيني سيد المشهد بالعمل المؤسسي، وفي ضوء ذلك تذهب أهداف المؤسسة الرئيسة أدراج الرياح.
إننا في حاجة ماسة لنشر ثقافة مكافحة الفساد في مقابل وضع آليات للإصلاح التي من شأنها تقلل من جبهة المستفيدين من مظاهر وصور الفساد؛ فبدون شك يتسبب هؤلاء القلة في انهيار المنظومة الأخلاقية داخل المؤسسة، وتصبح القيم مجرد شعارات يتغنى بها المفسدين على موائد مكلمات فارغة المحتوى والمضمون، وفي هذا الإطار يتوجب انتهاج الأنشطة والإجراءات التي تؤدي لقناعة منتسبي المؤسسة للتصدي لدروب وصور الفساد التي يرصدونها دون تردد.
ومن الآليات التي تعزز ثقافة مكافحة الفساد لدى منتسبي المؤسسات العمل الممنهج بدعم أخلاقيات الأداء المهني، وتطوير منظومة الشكاوى لتتعدى من يحاول إفشالها، ومن ثم يسهل أن تصل للجهات الرقابية، ومن الإجراءات التي تسهم في نجاح ذلك تنمية الوعي الوقائي تجاه مكافحة الفساد والعمل على نشر الثقافة العلاجية والعقابية.
وثمة أطر تنظيمية تساعد في نشر الثقافة الوقائية التي تساعد في الحد من انتشار الفساد المؤسسي؛ حيث اتباع سياسة التقييم الذاتي بصورة دورية من أجل تحسين الأداء وتقليص الفجوات، والحرص على تطوير اللوائح التنظيمية الداخلية للمؤسسة في خضم فلسفة مكافحة الفساد، وترسيخ ماهية الأعراف والقيم المؤسسية، ومراجعة الحقوق والواجبات التي تؤكد على كل فرد ما له من حقوق يأخذها وما عليه من واجبات يؤديها بإتقان.
ولا سبيل عن انتهاج سياسة الشفافية وإعلاء قيمة النزاهة والاستقامة واحترام ماهية المساءلة والتي تمنع الفساد، ولا مناص عن إعلان معايير المفاضلة التي يتم الاختيار في ضوءها؛ فلا يحدث التعدي القائم على المحسوبية وتحقيق غايات ومآرب بعينها، وهنا ندرك أهمية الرقابة التي تضمن إنفاذ أو فعالية ما ذكرناه من قيم ترتبط بالشفافية والنزاهة.
وتقوم ثقافة العقاب على سيادة القانون الذي يرصد ويؤكد صور الفساد بالشواهد والأدلة، ومن ثم يعلن على الرأي العام من قبيل مبدأ الشفافية، كما ينبغي أن تزداد المحاسبية بما يساعد في معالجة الانحرافات ويؤدي لرصد المخالفات بصورة متسارعة.
وفي الحقيقة نثمن التوجه الذي ينادي بوجود لجنة للشفافية والنزاهة داخل المؤسسة، والتي من خلالها يتم تقديم تقرير مفصل لكافة الإجراءات التي اتخذت والخدمات التي قدمت؛ لتظهر مواطن الضعف ونقاط القوة، وترصد أي خروقات قد تتسبب في إحداث فساد مقصود أو غير مقصود، ومن ثم توجه إلى مزيد من الآليات والإجراءات التي تحارب وتكافح بها صور الفساد المؤسسي.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر