يشير تعريف مصطلح النظام السياسي Le regime politique إلى: طريقة تسيير الشأن العام في المجتمع والاقتصاد والصحة والتعليم والثقافة والسياسة والاجتماع، وهو أوسع من نظام الحكم وعلى أساس الأسلوب المتبع في إدارة الشأن العام يوصف النظام السياسي بأنه ديمقراطي، تسلطي، شمولي، تسلطي ذو واجهة ديمقراطية.. الخ. ويعرفه غابرييل ألموند Gabriel Almond بأنه: “مجموعة هامة من المؤسسات الإجتماعية التي تُعنَى بصياغة الأهداف العامة لمجتمع ما، أو لمجموعة ضمن هذا المجتمع والعمل على تنفيذها، وتُدَعَّمُ قرارات النظام السياسي عادة بالشرعية القسرية، ويمكن فرض الخضوع لها بالقوة. “ويرتبط النظام السياسي بمفهوم السلطة Pouvoir Le كآلية ضبط وإكراه، وتعرف بأنها: “امتلاك صلاحية إصدار القرارات وتطبيقها، من خلال حيازة أدوات السيطرة والإكراه” والمقصود بالسلطة في الدولة هي “السلطة السياسية Pouvoir politique Le” التي تشير إلى: سيادة الدولة على إقليمها واستقلالية قرارها السياسي، وهي أهم أدوات النظام السياسي، وبحسب مونتيسكيو تنقسم إلى ثلاث أقسام: السلطة التنفيذية pouvoir exécutif Le (الرئيس-الحكومة)، السلطة التشريعية Le pouvoir législatif (البرلمان-الرئيس)، السلطة القضائية Le pouvoir judiciaire (القضاء). وبحسب العلاقة بين هذه السلطات وتوزيع صلاحياتها يحدد نوع نظام الحكم.
إن إصلاح النظام السياسي يتطلب رؤية استراتيجية مؤسسة على مقاربات علمية شاملة لتفكيك بنية النظام وعُصَبِهِ وإعادة تشكيل موازين قوى جديدة وفق قواعد سياسية وقانونية تحظى بالشرعية والمشروعية وفي إطار مؤسسات دستورية ذات سيادة وفعالية. وعليه لا يمكن تصور إصلاح الأنظمة التسلطية Les régimes autoritaires خصوصا في منطقتنا العربية في شهور أو سنوات معدودات، بسبب الكم الهائل من التراكمات والإختلالات التي تشكلت عبر مراحل زمنية طويلة، وكذلك السياقات الإقليمية والدولية التي تمثل في غالبها معوقات للانتقال الديموقراطي السلس والإصلاح السياسي الهادئ بعيدا عن الحروب والأزمات الأمنية. وبغرض وضع تصور عقلاني وموضوعي لمراحل إصلاح النظم السياسية العربية،يمكننا أن نقسم المنهجية السياسية لهذا الإصلاح إلى ثلاثة مراحل أساسية، وهي:
الأولى: مرحلة التشخيص والتأسيس (المدى القريب):
تغيير الأنظمة التسلطية لا يمكن أن يتم إلا عبر استراتيجية التفكيك البنيوي Stratégie de démontage structurel وليس بالهدم الشامل الذي يتبنى منطق الرفض المطلق دون تقديم بدائل أو تصورات واضحة لمشروع النظام
تتطلب هذه المرحلة إجراءات استعجالية وحكيمة لتشخيص مكامن الخلل البنيوي والوظيفي للنظام السياسي، ووضع المطالب الإصلاحية المناسبة لهذه المرحلة بدقة، إذ لا يمكن الإنطلاق في بناء مشروع إصلاحي على أرضية مُعْتَلة وغير مهيأة وتفتقد لشرط الملائمة، وهي مطالب جوهرية لترتيب عملية الانتقال الديمقراطي السلس، ووضع اللبنات الأوليّة والأساسية لنجاح عملية التغيير والإصلاح بشكل آمن وفعّال. ويمكن تحديد الإجراءات الأولية لهذه المرحلة في ما يلي:
- تشخيص مكامن العطب من حيث: بنية النظام ووظائفه وشخصياته (تحديد المشكلة).
- وضع تصور صحيح وجامع وشامل لشكل النظام المرغوب.
- الاتفاق على آليات وكيفيات الانتقال الديمقراطي السلس.
- تحديد البدائل النضالية السلمية الذكية والمعقولة للوصول إلى أهداف التغيير.
- تحديد الشخصيات الوطنية التي تضطلع بقيادة عملية الانتقال (الحكومة).
- مواصلة الضغط الشعبي باتجاه تحقيق المطالب المركزية.
- البعد عن الخلافيات سواء في الوسائل أو الأهداف والحرص على تغليب المشترك الوطني بالتنازل عن المطالب الفئوية والحزبية والثقافية. (فالنظام السياسي الرشيد سيضمن الحريات ويعالج كافة الاختلالات التي كان يستثمر في وجودها النظام التسلطي).
الثانية: مرحلة الإصلاح الدستوري والمؤسساتي (المدى المتوسط):
هذه مرحلة تتطلب وقتا كافيا قد يطول نسبيا لإعادة هندسة النظام السياسي وفق منظور جديد ومغاير، وبناء مؤسسات شرعية انطلاقا من الإرادة الشعبية والمشروعية السياسية التي ترتكز على معطى الجدارة والكفاءة في تقلد المناصب السيادية ومختلف الوظائف في الدولة، وتتطلب تعديلات هامة للدستور لمعالجة اختلالاته وللقوانين العضوية الأساسية كقانون الانتخابات وقانون العقوبات ومكافحة الفساد، وإعادة انتخاب المجالس المحلية والبرلمان وتشكيل فريق حكومي ذو رؤية استراتيجية متكاملة.
الثالثة: مرحلة التمكين والبناء (المدى البعيد):
وفيها يتم وضع الاستراتيجيات الكبرى للتنمية الشاملة والمستدامة لمختلف القطاعات التعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياحية والقضائية وفق منظور تكاملي بين كل القطاعات للإرتقاء الحضاري والانتقال النوعي من مجتمع استهلاكي (للأفكار والسلع) إلى مجتمع معرفي إنتاجي (ميلاد مشروع مجتمع جديد).
إن تغيير الأنظمة التسلطية لا يمكن أن يتم إلا عبر استراتيجية التفكيك البنيوي Stratégie de démontage structurel وليس بالهدم الشامل الذي يتبنى منطق الرفض المطلق دون تقديم بدائل أو تصورات واضحة لمشروع النظام والشخصيات المقبولة لتقلد الحكم، وهذا قد يؤدي إلى تدمير مؤسسات الدولة، أما التفكيك البنيوي Le démontage structurel للمؤسسات غير الشرعية فيعتمد على المعالجة المرحلية وتراتبية الأولويات والتشريخ (الشرخ) الجزئي للمنظومة الاستبدادية، من خلال الاعتماد على قوة الاقتراح وتقديم البدائل والتصورات العلمية والموضوعية وتكوين قاعدة مجتمعية صلبة وملتفة حول مشروع النظام الجديد وقادرة على إعادة بناء موازين قوى جديدة، وإعادة هيكلة المؤسسات الدستورية والسياسية، والاتفاق على قواعد توافقية ترسم المشهد السياسي المستقبلي وفق أسس الرشادة والحكامة La rationalisation et la gouvernance.
إن إصلاح النظام السياسي الجزائري لابد أن ينطلق من حوار مجتمعي شامل، ويستهدف إصلاحَ المؤسسات (بنيوية النظام) والآليات (وظيفية النظام) أي بتفكيك منظومة الحكم وإعادة بناء موازين قوى جديدة مغايرة لسابقتها، فلا يمكن الحديث عن تغيير فعال ومؤثر في المنظومة التأسيسية للنظام بشبكياتها المعقدة، إذا تم الاقتصار على تعديلات شكلية لا تمس العمق المتأزم، لأن الإكتفاء بتغييرٍ شكلي للآليات والقوانين أو بانتخابات لا تتوفر على البيئة الوظيفية لنجاعتها، لا يمكن أن يحدث تغييرا حقيقيا في طبيعة النظام، فحتى الانتخابات النزيهة لا تعدُّ معيارا لإصلاح النظام في بيئاتنا العربية، لأن الانتخابات الفاقدة لشروط الشرعية والمشروعية قد تؤسس لدكتاتوريات جديدة كغالبية انتخابات الدول العربية، وكالتي جاءت بهتلر وموسوليني وغيرهما. وهذا النوع من التعديلات غالبا ما يقوم بترحيل الأزمة لا حَلَهَا، والتي ستتفاقم عبر الزمن ككرة الثلج، لأن العطب البنيوي للنظام سيؤدي آليّا إلى توليد الأزمات بسبب افتقاده للفعالية اللازمة والشرعية والمشروعية الضرورية لمؤسساته.
وعليه -في اعتقادي- أن أولى أمارات ومؤشرات إصلاح النظام الجزائري لابد أن تستهدف في خطوات إجرائية أولية؛ التغييرات التالية حسب الأولوية:
1- تغيير الشخصيات المركزية الممَكّنَةُ للنظام (الشخصيات الوظيفية للنظام) بكفاءات تحظى بالمصداقية، فالهدف ليس هو التغيير في ذاته بقدر ما هو في “طبيعة الأشخاص” الذين سينوبون عن الشخصيات المعزولة ومدى تمتعهم بالكفاءة والمقبولية الشعبية.
2- الإصلاح الجذري لآليات التمثيل الشعبي وأدواتها وقوانينها مركزيا ومحليا (الانتخابات).
3- إصلاح المرجعيات القانونية المغذية لاستمرارية النظام (الدستور والقوانين العضوية).
4- إصلاح المؤسسات الدستورية بعد تغيير الشخصيات والقوانين، ومن المؤسسات الهامة: الرئاسة، الحكومة، البرلمان، المجلس الدستوري وجهاز القضاء.
فالتغيير الجديُّ للنظام بالجزائر لا بد أن يستهدف هذه المرتكزات كأولى مؤشرات الإصلاح والتحول الإيجابي للعملية السياسية، لأن العمليات الإصلاحية لابد أن يضطلع بها الأمناء الذين يتمثل فيهم معنى “الإصلاح” وترتسم فيهم ملامحه سيرة وسلوكا، ولا يمكن أن تُؤَمَّلَ هذه الغاية الجليلة ممن توغلوا في الفساد وأضاعوا القيم ومعالم الرشاد.
يعد النظام السياسي، ومكوناته وبنيته، والسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، أهم أركان البنيان السياسي للدولة الحديثة.
وفي بداية الأمر تم استخدام مصطلح “الحكومة” بدلاً من النظم السياسية، كما استخدم المصطلح ذاته للدلالة على السلطات الثلاث، سواء في مجملها معاً، أو في التركيز على إحداها (السلطة التنفيذية) دون سواها، بحيث أصبحت كلمة الحكومة مرادفاً لتعبير السلطة التنفيذية. إلا أن التطور لحق بهذا الاستخدام الذي لم يعد مستساغاً في إطار التطورات المتلاحقة والعميقة التي طالت الدراسات السياسية بشكل عام.
ونشير هنا في عجالة إلى مضمون هذه التطورات، ونتاج أو تداعيات ما حدث، وكيف انعكس ذلك على مفهوم النظام السياسي والسلطات الثلاث وتطور دلالات هذا المفهوم.
ويلخص هذه التطورات توجه الدراسات السياسية نحو الأخذ بالطابع العلمي والتحليلات الموضوعية، والتخلي عن السمة الوصفية والسكونية، أو الجمود والشكلية التي ميزتها في الفترات السابقة، وهكذا تحول البحث السياسي من موضوعات تاريخية فلسفية وقانونية إلى تحليلات علمية ونماذج ونظريات أقرب إلى العلوم الطبيعية.
وقد أستجدت خلال هذه التطورات أطر للتحليل كما ظهرت نظريات واقترابات جديدة لعل من أهمها: تحليل النظم، والمؤسسية، والاقتراب الوظيفي. فأضحت هذه الأطر والاقترابات بمثابة الأدوات الأكثر أهمية والأكثر ملائمة لدى الباحثين والمتخصصين في تناولهم لموضوعات ومفاهيم كالنظام السياسي والسلطات الثلاث.
فترتب على هذا التطور – أو ما سمي بالثورة السلوكية في البحوث السياسية – تحول كبير في دلالات مفاهيم النظم والسلطات، كما اختفت مقررات أخذت اسم “الحكومات المقارنة”، من علم السياسة الجديد لتحل محلها مسميات “النظم السياسية المقارنة”، وحلت مصطلحات من قبيل “المؤسسية، والتحليل الوظيفي” محل المصطلح القديم “السلطات الثلاث”.
ففيما يتعلق بالنظام السياسي: لم يعد يفهم على أنه الحكومة، وإنما أصبح لمفهوم النظام السياسي مدلولات تتسع لتشمل ثلاث محاور أساسية:
الأول: المؤسسات السياسية الرسمية (السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية) وغير الرسمية )منظمات وجمعيات ونقابات واتحادات مهنية وعمالية وفكرية … ) والتي تتشكل من أبنية وأدوار سياسية.
الثاني : نسق القيم والأفكار والمعايير والتي تشكل ما يعرف بالثقافة السياسية.
الثالث: تفاعل وعلاقات وسلوكيات للأفراد والجماعات والمؤسسات.
وبالنسبة للسلطات الثلاث فقد أضفى على تحليلها اقتراب وظيفي يجعل من التشريع والتنفيذ والتقاضي وفق القواعد والقوانين وظائف، وليس مجرد سلطات، فالتشريع يقوم به البرلمان، لكن قد تقوم به البيروقراطية أو أجهزة الخدمة المدنية، كما قد يقوم به القاضي في تفسيره للقاعدة القانونية عند تطبيقها … وهكذا.
رغم هذه التحولات الشاملة في مدلولات النظام السياسي والسلطات الثلاث، إلا أنها تظل أهم أركان البنيان السياسي للدولة، كما يظل تطوير قدرات النظام السياسي، ومحورية السلطات الثلاث في قيام دولة القانون والمؤسسات أهم أهداف وغايات التنمية السياسية.
خالصة القول فإنه في ضوء ما تم استعراضه من واقع دراسة وتحليل أثر متغيرات النظام الدولي على الأمن الإقليمي العربي في إطار تحليل دور نظرية الإيكولوجيا السياسية، فقد ب ضرورة تعزيز الأمن الإقليمي واضحا العربي من ثنايا إعادة تقييم تطبيق نظرية الأيكولوجية السياسية، ودورها في ظل تأثيرات متغيرات النظام الدولي سواء بمواجهة التحديات الديمقراطية، وتعظيم القيمة المضافة من فرص تأسيس نظم سياسية تتلاءم مع طبيعة الأمن الإقليمي ا . وفي إطار ذلك فقد لعربي، وبالصورة التي توفر فرص امتلاك مقومات القوة المهيمنة إقليميا اقترحت الدراسة مجموعة من التوصيات على الدول العربية اتباعها لتعزيز الأمن الإقليمي العربي أثناء التصدي مجلة كلية السياسة والاقتصاد العدد التاسع – يناير 2021 170 لتحديات تأثير متغيرات النظام الدولي، وأنه لكي يتحقق الأمن الإقليمي العربي النابع من استعادة الدور العربي محدده، ووسائل مناسبة لتنفيذ تلك الخطط، بما يتناسب مع الإقليمي مرة أخرى البد من أن يكون هناك خططا احتياجات مجتمعاتهم الداخلية واحتياجات الإقليم وذلك في إطار محكم من المبادئ والقيم المجتمعية العليا أي يكون هناك نوع من التوازن والت اربط بين الدور الإقليمي والمجتمع الداخلي، بالصورة التي يمكن من خلالها تعزيز النظرة الجماهيرية للقيادة ومن ثم تحقق الشعور الجمعي العام. فالعوامل الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها هي الأهم في عملية مواجهة المخاطر الأمنية.
كما يلاحظ أنه يجب أن يتم الحد من المخاطر الأمنية من خلال بناء الدفاعات الأمنية المشتركة على قدر من المرونة، بحيث يمكن استخدامها للتعامل مع مجموعة واسعة من المخاطر الأمنية المتعددة، ومن ثم توزيع الوحدات ذات الطابع الخاص الأمني على المناطق ذات الاهتمام والنفوذ المختلف. وفي الختام؛ يمكن القول بأن تطبيق الرؤية الاستراتيجية بمفهومها الواسع، والاهتمام بدراسة وتحليل البيئة السياسية من المنظور الأيكولوجي، وتدعيم منهج الفكر الاستراتيجي، واستشراف مقاربة لدور تفعيلي “عملي” لنظرية الأيكولوجية السياسية يمكن من خلاله تعزيز أمن الإقليم العربي في مواجهة متغيرات النظام الدولي.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا