عندما نرصد حالة من الإصلاح المؤسسي وحالة أخرى مقابلة في الفساد المؤسسي، نجد أن هذا يقف وراءه سبب رئيس يتمخض عما لدى الفرد من معتقد قيمي يؤمن به ويمارس سلوكيات ترتبط به وتترجمه، وهنا تدخل التربية الأخلاقية التي تغرس في سلوكيات الفرد منظومة القيم في صورتها المتكاملة، وضرورة التكامل هنا تبدو أهميتها في توجيه السلوك أو الممارسة في إطار صحيح، أو مشوه حال فقد التماسك والترابط والتآزر القيمي.
وأن غرس صحيح القيم وتعضيد الخلق القويم في الأداء المؤسسي لا يقاس بصورة سطحية أو شكلية؛ فرصد الواقع يكشف بوضوح مدى الالتزام الخلقي والسلوك الذي يقارب صورتي الفساد والصلاح، وهذا يؤكد على ضرورة الرقابة والمحاسبية بصورة مستدامة؛ ليصبح معوّل الحكم مرهون بمعدلات التجاوز وإن شأت فقل مستويات ودرجات الفساد المؤسسي بتنوعاتها المختلفة؛ فلا تنصرف أذهاننا تجاه الجانب المادي دون سواه من الجوانب الأخرى التي تؤثر على إنتاجية المؤسسة وغاياتها المعلنة.
وإذا ما تغلبت صفات الجشع والطمع وحب السيطرة والحيازة والأنانية على الصفات المحمودة من قناعة وإيثار ومحبة للآخرين والولاء والانتماء المؤسسي والرغبة في الوصول لغايات منشودة يتطلع إليها المستفيدين من داخل المؤسسة وخارجها؛ فإن هذا من مسببات الفساد المؤسسي الذي ينبغي أن يواجه بالمكاشفة وضبط السلوك بلجام النسق القيمي عبر تطبيق لصحيح اللوائح ونصوص القوانين التي تردع طيش الصفات غير المحمودة، وإذا ما تباطئنا في ذلك؛ فالنتيجة المحتومة ندركها ونشاهدها في تدني مخرجات العمل المؤسسي، وتسارع وتيرة الفساد بشكل كبير داخل قطاعات المؤسسة.
إننا على يقين بأن الجهات الرقابية تؤدي دورها المنوط بها، وفي المقابل يتوجب على المجتمع المؤسسي أن يبادر في الكشف عن مداخل وصور الفساد التي يرصدها؛ لتصير المنظومة فاعلة ولا يتعذر على الجهات الرقابية القيام بمهامها، كما ينبغي أن تعلن التشريعات التي تحمي كل من يحارب الفساد ويكشف عنه؛ فما يزعمه المفسدون من أن هناك محاسبة لمن يتجاوز المسئول بالمؤسسة ليبلغ عن فساد غير صحيح.
وحينما يحدث تباطؤ في محاربة ومكافحة الفساد بالمؤسسات؛ فإن ذلك يعد سببًا في بقائه، بل وسريان أثره على المدى البعيد داخل العمل المؤسسي، بما يلحق الضرر البالغ على المجتمع داخل المؤسسة وخارجها، ومن ثم تفقد الدولة حقوقها وتصاب بعطب في تنمية العديد من مجالاتها؛ فدون مواربة يشكل الفساد معول هدم لجهود التنمية والتقدم والنهضة والإعمار مهما بلغت الإنجازات.
ونهيب بمن يدرون شئون مؤسسات الدولة بمجالاتها المختلفة أن يتحروا الشفافية والتي تعني الوضوح والصدق وصحة إجراءات صناعة واتخاذ القرار المؤسسي بكافة شئون العمل المؤسسي؛ فيعرف ويتعرف ويطالع ويطلع كافة المجتمع المؤسسي على ما يجري وما جرى وما سوف يجري، وهنا ننوه على أهمية الخطة الاستراتيجية للمؤسسة وما يرتبط بها خريطة أداءات إجرائية تتسق مع صحيح اللوائح ونصوص القانون المنظم للعمل؛ فنتجنب أن يتفرد بها أحد مهما علت صلاحياته.
ودعونا نتفق على أمر جامع يتمثل في أن كل ما يتعلق بالأمن القومي للبلاد نتجنب المقربة منه أو الإعلان عنه، وفي المقابل يخضع العمل المؤسسي للرقابة والمحاسبية والمكاشفة والشفافية؛ فالمسئول الذي يدعي سرية تعاملات أو معلومات لدقتها أو لأنها تخص مسئول أعلى منه؛ فإن ذلك يفتح مجالًا خصبًا للفساد المؤسسي، ويهدر حق المعرفة وحقوق أخرى يصعُب حصرها.
ورغم تعدد المسببات التي تسهم في الفساد المؤسسي من نقص للشفافية وضعف في المحاسبية والمراقبة ووجود صور من صور التحالفات المجتمعية داخل المؤسسة الواحدة تحكمها مصالح غير معلنة، ناهيك عن التلاعب بالقوانين وتحريف نصوصها وتعديل في اللوائح وفق الهوى والأغراض الشخصية، وثقافة تقبل غير المستحق والذي لا يعلن عنه على الملأ؛ فإن هناك جهودًا ينبغي أن تبذل من أجل تنمية الوعي تجاه مخاطر الفساد ومسبباته، ومن ثم قد يعاد النظر في منظومة التشريعات التي تردع سبل ومسارات الفساد وتدحر مسبباته.
وندرك أنه كلما ازدادت مقومات الرقابة المؤسسية من الجهات المعنية؛ فإن المكاشفة والشفافية والنزاهة سوف تجد لها سبيلًا في الأداء المؤسسي على مستوى الأفراد والجماعات؛ لكن البطء أو التباطؤ في تطبيق آليات وصور الرقابة المؤسسية يؤدي حتمًا لفقد الثقة على المستوى الفردي والجماعي، وفي عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يؤكد على أهمية ترسيخ قيم النزاهة وسياسة الشفافية؛ فإننا نتطلع لمسارات صلاح وإصلاح متوالية من قبل شرفاء يحبون مؤسساتهم ويوالون مصالح الوطن العليا دون سواها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر