يعد الحق في الحياة الخاصة أحد أبرز الحقوق الملازمة لحياة الأفراد ، لم لها من أثر عظيم في تحقيق كرامتهم الإنسانية. فالخصوصية تعني أن يعيش الأنسان حياته دون تدخل خارجي ، وأن يأمن على مراسلاته، وسمعته، ومسكنه, وشرفه، وعرضه من أي انتهاك، أو تطفل، أو نشر لأي وقائع مؤلمة عن حياته الخاصة، خصوصاً وأن الحق في الخصوصية قد أخذ أبعاداً جديدة
من حيث نطاقه بعد ثورة الاتصالات الحديثة. وستعتمد هذه الدراسة المنهج الوصفي التحليلي لبحث إشكالية نطاق الحياة الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتجلى أهمية هذه الدراسة في معرفة ماهية الحياة الخاصة، وطبيعتها القانونية ، وصور انتهاكها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والبحث عن آليات حمايتها من هذه الاعتداءات وذلك بتحديد أركان قيام المسؤولية المدنية، والآثار المترتبة عنها بالتعويض كوسيلة لجبر الضرر من هذه الاعتداءات.
في ديسمبر 2021، تداول عدد كبير من مُستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر فيديو لسيدة تظهر في شرفة منزلها “شبه عارية”، في منطقة التجمع الخامس في القاهرة. وهو الأمر الذي أثار حفيظة عدد من جيرانها الذين تقدّموا ببلاغ ضدّها يتّهمونها فيه بتكرار هذا الفعل بشكل مستمرّ. وبعد ساعات قليلة من انتشار الفيديو المشار إليه، تمّ إلقاء القبض على هذه السيدة، والتحقيق معها في عدد من الاتهامات التي تتعلق بالتحريض على الفسق والفجور
. وبمجرّد البدء في سير التحقيقات، اتّضح أنّ “المتهمة” التي تحمل الجنسية الأوكرانية، قد أقرّت بأنها تجردت من ملابسها في شرفة منزلها بالفعل، كما اعتادت أن تتصرف بشكل طبيعي في بلادها، ولكنها لم تكن على دراية بأن القانون المصري يجرم مثل هذا الفعل.
وعليه، تمّ التصالح مع الجيران مقدّمي البلاغ، ولم توجّه النيابة العامة أيّ اتهامات أخرى للسيدة التي اشتهرتْ إعلاميًا بسيدة التجمع. وبينما تثير تلك الواقعة عدداً من التساؤلات الجوهريّة حول حدود الحريّة الشخصيّة، وماهية الضوابط المفروضة على الممارسة الفعليّة لمفهوم الخصوصية في مصر، لم يتم توجيه أيّ اتهامات بانتهاك حرمة الحياة الخاصة لمصوّر هذا الفيديو، على الرغم من أنه أقدم على تصوير سيّدة داخل منزلها الخاص، ونشر هذا التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون الحصول على أي موافقة مسبقة من طرفها فيما يخص التصوير أو النشر.
من جهة أخرى، وبعد حوالي ثلاثة أشهر من تلك الواقعة، أصدرت محكمة النقض المصريّة حكمًا هامًا يتناول مسألة نشر الصور الشخصية من دون إذن صاحبها، أرست فيه مبدأ قضائيًا جديدًا يقرّ بأحقّية تعويض المتضرّر من نشر صوره الشخصيّة من دون إذن صريح بالنشر والاستخدام
. ذلك الحكم الذي أتى على خلفية واقعة نشر الممثل محمد رمضان لصورة شخصية تجمعه مع قائد إحدى الطائرات الخاصة داخل مقصورة القيادة من دون إذنه، والتي على أثرها تم إيقاف الطيار عن ممارسة عمله ومنعه من الطيران مدى الحياة.
وعلى الرغم من اختلاف تفاصيل الواقعتيْن المشار إليهما، وتباين المسارات القانونية لكلا الحالتين، إلا أنهما يسلّطان الضوء على إشكالية نطاق الحماية المقرّرة لحرمة الحياة الخاصة في مصر. فضلاً عما يطرحانه من إشكاليات تتعلّق بالإطار القانوني الخاص بضوابط نشر واستخدام الصور الشخصية، بالإضافة إلى تأثير الضغوط المجتمعية على نطاق الحقوق المقررة دستوريًا، كالحق في حرمة الحياة الخاصة.
حرمة الحياة الخاصة في القانون المصري
قدّم دستور 1971 مفهوم “حرمة الحياة الخاصة” لأول مرة داخل النظام القانوني المصري، وذلك باعتباره أحد الحقوق الدستورية المقرر حمايتها، والذي تلتزم الدولة بتوفير الأُطر القانونية اللازمة لممارسته وصونه من أي اعتداء، حسب المادة (45) فبعدما دأبتْ الدساتير السابقة على إسباغ الحماية القانونية لبعض نواحي الحياة الشخصية للأفراد دون غيرها، مثل التأكيد على “حرمة المنازل” وعدم جواز تفتيشها، أو الإشارة إلى ضمان سرية المراسلات الشخصية، وسّع دستور 1971 من نطاق تلك الحماية لتشمل كافة جوانب الحياة الخاصة للمواطنين.
وعلى الرغم من غياب تعريف شامل لماهية حرمة الحياة الخاصة، ونطاق هذا الحق والقيود المفروضة عليه، تمّ إضافة بعض النصوص القانونية الجديدة التي تدعم حقّ المواطنين في حريتهم وحرمة حياتهم الخاصة تماشيًا مع الواقع الدستوري الجديد آنذاك. أبرز تلك التعديلات هو القانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلق بضمان حرية المواطنين،
والذي تضمن إضافة عدد من الأحكام وتعديل أحكام موجودة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية. فبموجب هذا القانون تم إضافة المادتين 309 مكرر، و309 مكرر(أ)، إلى قانون العقوبات، وهما المادتان اللتان نصّتا على عقوبة الحبس لكل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين من خلال استراق السمع أو تسجيل المحادثات الخاصة، أو التقاط ونقل صورة أحد الأشخاص في مكان خاصّ من دون إذن مسبق.
في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أنّ الغرض الرئيسي من إضافة تلك النصوص إلى قانون العقوبات كان محاولة حماية حرمة الحياة الخاصة للمواطنين من الانتهاكات التي قد تقوم بها أجهزة الدولة الرسمية، كالتنصّت والتلصّص على حياة الأفراد الخاصة. وهو التفسير الذي تظهر دلائله في موضعين، أولهما: تغليظ العقوبات الواردة في المادتين 309 مكرر، و309 مكرر(أ) حال ارتكابها بواسطة موظف عام اعتمادًا على سلطة وظيفته. ثانيًا: ما نصت عليه صراحة المذكرة الإيضاحية للقانون المصاحب لإصدار تلك المواد بأن “التجربة قد كشفت عن أن الدّولة بأجهزتها قد انحرفت في بعض الظروف عن التزام القانون، وبدلًا من أن تكون مهمّتها حماية أمن المواطنين وحرياتهم كادت تهدّد تلك الحرية، وأن المادة (45) من الدستور قد جاءت لتنهي حالات التنصّت والتلصّص على حياة المواطنين الخاصة” وهو الأمر الذي يعني أنّ صياغة تلك الموادّ المتعلقة بحماية حرمة الحياة الخاصة، والواردة في قانون العقوبات،
لم تكن معنية في المقام الأول بالتعامل مع الإشكاليات الناتجة عن اعتداء الأفراد على حرمة الحياة الشخصية لبعضهم البعض. مما أدّى بطبيعة الحال إلى ظهور عدد من المحاولات البرلمانية التي تهدف إلى تعديل تلك النصوص حتى تكون قادرة على الاشتباك مع الواقع العمليّ الذي أفرزتْه التطورات التكنولوجية المعاصرة، وما صاحبها من زيادة في عدد الممارسات التي تشكّل انتهاكًا لحرمة الحياة الخاصة للأفراد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي
من جهة أخرى، يمكن القول بأن تبنّي القوانين التي من شأنها تعزيز الحماية المقرّرة دستوريًا لحرمة الحياة الخاصة للمواطنين لم يكن من ضمن أولويات المشرع المصري لعقود عديدة. فمنذ إقرار التعديلات المشار إليها في قانون العقوبات عام 1972، لم يظهر مفهوم “حرمة الحياة الخاصة” مرّة أخرى داخل منظومة التشريعات المصرية إلا في عام 2018.
فبموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، والذي تضمن فصلًا خاصًا بالجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، يعاقب بالحبس والغرامة، أو بإحدى العقوبتين، كل من “أنتهك حرمة الحياة الخاصة”، أو “نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات، معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أيّ شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة”. أيضًا، غلّظ القانون نفسه تلك العقوبات، لتصل إلى السجن لمدة خمس سنوات في حال استخدام البيانات الشخصية لأحد الأفراد، وربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهار صاحبها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه
. وهي النصوص التي نرى أنها كانت ضرورية نظرًا لما توفره من حماية قانونية للمحتوى المعلوماتي المنشور على شبكة الإنترنت، والذي أصبح يشكل أحد أكثر جوانب الحياة الخاصّة تعرّضًا للانتهاك في الوقت الحالي.
وعلى الرغم مما أظهرته تلك النصوص من انتباه المشرّع المصري إلى ضرورة التعامل مع الإشكاليات المتعلقة بحماية حرمة الحياة الخاصة، إلا أنه لم يتمّ اتخاذ أيّ خطوات تشريعية أخرى من شأنها توفير بيان أكثر تفصيلاً فيما يخصّ حقوق الأشخاص الذين تم الاعتداء على أحد جوانب حياتهم الخاصة، وسبل تعويضهم عن الأضرار المادية أو النفسية أو الأدبية التي قد تنتج جراء مثل هذا الاعتداء. في الوقت نفسه، جاء قانون حماية البيانات الشخصية الصادر عام 2020 مخيبًا للآمال أيضًا، نظرًا لتجاهله لمسألة انتهاك حرمة الحياة الخاصة للأفراد، وتركيزه على تنظيم عمليات معالجة البيانات الإلكترونية التي تقوم بها الشركات والأفراد لأغراض تسويقية وتجارية.
وبناء على ما تقدّم، يمكن استخلاص عدد من السمات الرئيسية التي تميز الإطار القانوني المنظم لحماية حرمة الحياة الخاصة في التشريع المصري، أولًا: غياب قانون شامل معني بحماية الحياة الخاصة للمواطنين، يضع تعريفًا جامعًا لماهية هذا الحق، وعناصره، وضوابط ممارسته، مع الاكتفاء بوجود عدد من النصوص القانونية المتناثرة بين القوانين المختلفة. وعلى الرغم من خلوّ القوانين المقارنة من قانونٍ معني خصّيصًا بحماية حرمة “الحياة الخاصة”، إلا أننا نرى أن وضع مثل هذا القانون قد يكون ضروريًا في السياق المصري.
فالممارسة العملية والتطورات التكنولوجية المتلاحقة التي شهدها المجتمع المصري خلال العقد الأخير، أظهرت الحاجة إلى وجود تشريع خاص يهدف إلى حماية الحق في الخصوصية، وينظم تداول المعلومات وتوزيعها، لمواجهة إشكالية اعتداء البعض على خصوصية أفراد أخرين تحت مسمى حماية الأخلاق أو عادات المجتمع المصري.
ففي الوقت الذي لا ينص فيه الدستور المصري “صراحة” على الحق في الخصوصية كأحد الحقوق الدستورية الواجب حمايتها، يمكن الارتكاز على مفهوم “حرمة الحياة الخاصة” المحمي دستورياً كنقطة انطلاق نحو تشريع شامل معني بحماية معظم نواحي الحياة الخاصة للأفراد. ثانيًا، عدم استعداد البنية التشريعية المصرية للتعامل مع الإشكاليات المتعددة الناتجة عن صور انتهاك حرمة الحياة الخاصة المختلفة عن طريق الوسائل الإلكترونية الحديثة،
وهو الأمر الذي تظهر آثاره في ندرة الأحكام القضائية التي تشتبك مع تلك الإشكاليات. ثالثًا، تتميّز النّصوص القانونيّة المعنيّة بحماية حرمة الحياة الخاصة للمواطنين بطابع عقابيّ يعطي الأولوية للمحاسبة الجنائية عن الأفعال التي من شأنها انتهاك حرمة الحياة الخاصة لأحد الأفراد، في ظل غياب قواعد تفصيلية تنظّم الالتزامات المدنية المترتبة عن تلك الأفعال كالتعويض وردّ الاعتبار. ومن هنا تأتي أهميّة حكم محكمة النقض الذي أشرْنا إليه في صدر هذا المقال، نظرًا لما أثاره بشأن مسألة التعويض عن نشر الصور الشخصية بدون إذن مسبق من صاحبها، وهو الحكم الذي يتناوله المبحث التالي بمزيد من القراءة والتحليل.
محكمة النقض والمسؤولية المدنية عن التعدي على حرمة الحياة الخاصة
تعود وقائع الدعوى محل الحكم الصادر من محكمة النقض في مارس 2022 إلى أنّ أحد الطيارين المدنيين كان قد أقام دعوى قضائية مُطالبًا فيها بإلزام الفنان محمد رمضان بأن يسدد له مبلغ 25 مليون جنيه مصري، تعويضاً عمّا لحق به من أضرار مادية وأدبية بسبب الاعتداء على حقوقه المتعلقة بصورته الشخصية. وذلك بعد أن طلب منه الفنان محمد رمضان الحصول على صورة تذكارية معه داخل كابينة القيادة، فسمح له بالتقاط الصورة مع التنبيه عليه بعدم نشرها بأي وسيلة من وسائل النشر.
وعليه، أصبح السؤال الرئيسي الذي طرحته تلك الوقائع أمام المحكمة هو ما مدى أحقية قائد الطائرة في الحصول على التعويض بعد تضرره من نشر الصور؟ بالإضافة إلى تحديد ماهية السند القانوني للحصول على مثل هذا التعويض في حال أحقيته، وشروط استحقاقه؟
بداية، شدّدت المحكمة على مكانة الحياة الخاصة ” كقيمة أساسية تستحق الحماية”، وأوضحتْ أنه “توجد مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تُمثل أغوارًا لا يجوز النفاذ إليها، وهذه المناطق من خواص الحياة ودخائلها وينبغي دومًا ألا يقتحمها أحد ضمانًا لسريتها وصونًا لحرمتها”
، مستندة في ذلك على المادة (57) من الدستور الحالي التي تنص على أن ” للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس”. كما توسّعت المحكمة في تفسيرها لعناصر الحياة الخاصة، واعتبرتْ صراحة “الحق في الصورة الشخصية” كأحد الحقوق الشخصية المقرّر حمايتها قانونًا، وحدّدت نطاقه ليشمل “حقّ الشخص في أن يرفض التصوير، وكذلك حقّه في أن يراقب الاستغلال لصورته”
. وبالتالي، اعتبرتْ المحكمة أنّ نشر واستغلال الفنان محمد رمضان لصورة شخصية رفقة قائد الطائرة من دون إذن مسبق منه، قد مثل اعتداء على حق قائد الطائرة في “صورته الشخصية”، مما يستوجب عنه ضرورة التعويض عن الأضرار التي أصابته جراء هذا الاعتداء.
من ناحية أخرى، ذهبت محكمة النقض إلى تبني تفسير واسع لقانون حماية الملكية الفكرية، كأساس تشريعي لأحقية التعويض عن الاعتداء على الصورة الشخصية، في ظل غياب عناصر المسؤولية المدنية الناتجة عن مثل هذا الاعتداء في قوانين العقوبات وجرائم مكافحة المعلومات السابق الإشارة إليهم. فبموجب المادة (178) من قانون حماية الملكية الفكرية المصري، “لا يحقّ لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من في الصورة جميعاً ما لم يتفق على خلافه”.
وعلى الرغم من أنّ كافة التطبيقات القضائية المرتبطة بتلك المادة دائمًا ما كانت تتعلق بوقائع تخصّ استخدام الصور الخاصة في الأعمال التجارية والمصنفات البصرية المختلفة، لجأت المحكمة لهذا النصّ، ولأول مرة، في محاولة منها لإيجاد سند تشريعي ملائم للتعويض عن الأضرار الناتجة عن الاعتداء على الصورة الشخصية لقائد الطائرة، ونشرها من دون إذن صريح منه بذلك.
أيضًا، اعتمدتْ المحكمة على القواعد العامّة المنظّمة لشروط استحقاق التّعويض الواردة في القانون المدني، لتحديد شروط الحصول على التعويض مقابل نشر الصورة الشخصية لأحد الأفراد من دون إذن مسبق منه. وهي القواعد التي تشترط ضرورة توافر الخطأ الموجب للمسؤولية، بالإضافة إلى إثبات الضرر الناتج عن هذا الخطأ، فضلًا عن توافر علاقة السببية بينهما
. وهو المنهج الذي نرى أنه لا يوفّر الحماية الكافية للحق في الصورة الشخصية، كونه يعتبر أن نشر صورة خاصة لأحد الأفراد دون إذن مسبق لا يشكل ضررًا في حدّ ذاته، وإنما هو مجرد خطأ، وينبغي إثبات عناصر الضّرر الناتجة عنه من الناحية الأدبية والمادية. فعلى سبيل المثال تفحص المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عدداً من العوامل المرتبطة بنشر الصور الشخصية التي من شأن توافرها اعتبار نشر الصورة يشكل ضررًا في حد ذاته يستوجب التعويض والمسألة.
أبرز هذه العوامل التي تفحصها المحكمة من تلقاء نفسها، ومن دون إلقاء عبء إثبات الضرر على عاتق المتضرر، هي إلى مدى يعدّ نشر إحدى الصور الشخصية مشاركة في جدل متعلق بالشأن العام، وذلك في أطار الموازنة بين ممارسة حرية الرأي والتعبير وبين الاعتداء على خصوصية أحد الأفراد. بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار مدى شهرة الشخص الموجود في الصورة، والعواقب الناتجة عن نشر الصورة نظرًا لمحتواها، فضلًا عن الظروف المحيطة بالتقاط الصورة ونشرها.
وهي العوامل التي قد ترى المحكمة بعد فحصها كلاً على حدة أن نشر إحدى الصور الشخصية يمثّل ضررًا مستقلًا عن أيّ أضرار لاحقة مادّية أو أدبيّة.
ولكن في الوقت نفسه، إنّ اعتماد محكمة النقض المصرية على القواعد العامة المنظمة لمسألة التعويض في القانون المدني هي نتيجة حتمية في ظل غياب نص تشريعي خاص بمسألة التعويض عن الاعتداء على مظاهر الحياة الخاصة. وعليه، انتهتْ المحكمة في حكمها إلى أحقية قائد الطائرة في الحصول على التعويض نظرًا لما ترتب على نشر صورته الشخصية من أضرار تمثّلت في فقدانه لوظيفته، وحرمانه من ممارسة المهنة مدى الحياة، لا لمجرد الاعتداء على أحد نواحي حياته الخاصة.
خاتمة
يفرض الواقع العملي، وما يصاحبه من تطورات تكنولوجية متلاحقة، ضرورة ملحة على المشرع المصري لتبنّي تشريع خاصّ معني بضمان حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، ويحدّد المقصود بنواحي الحياة الخاصة الواجب حمايتها. وكذلك، يجب أن يتضمّن سبل وشروط وأليات استحقاق التعويض عن أي اعتداء يقع على تلك الحقوق الواجب حمايتها بموجب أحكام الدستور. لذلك يمكن النظر إلى حكم محكمة النقض المشار إليه، وما تضمّنه من إقرار للحقوق المرتبطة بالحياة الخاصة، كالحق في الصورة، كخطوة أولى في حوار قضائي- تشريعي من الممكن أن يفضي في النهاية إلى تبني مثل هذا النوع من التشريعات
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا