مع بداية العام الدراسي تطفو على سطح الاهتمامات الأسرية قضية بالغة الأهمية، وهي مستوى الذكاء الذي يتمتع به أبناء تلك الأسر وقدرتهم على التحصيل الدراسي، الأمر الذي قد ينعكس بالسلب على الأب والأم إذا كان الابن قليل الذكاء في أحد المواد الدراسية.
الحق أننا يجب أن نبدي الكثير من الإجلال والاحترام لعالم النفس الأمريكي هوارد جاردنر (مولود عام 1943) الذي لاحظ بذكائه وعلمه وأبحاثه أن هناك تسعة أنواع رئيسية للذكاء، وأن نصيب كل إنسان من وليمة الذكاء هذه نوع أو أكثر، وهذه الأنواع التسعة باختصار هي بدون ترتيب:
الذكاء اللغوي، ويتمثل في القدرة على انتقاء الكلمات المناسبة للتعبير عن الأفكار والمشاعر والرغبات، ويتجلى ذلك في اهتمام أذكياء هذا النوع بالثقافة والقراءة والأدب فرجال مثل أحمد شوقي وطه حسين ونجيب محفوظ ونزار قباني ومحمود درويش يتمتعون بذكاء لغوي خارق.
وهناك الذكاء المنطقي الرياضي الذي يهب صاحبه مقدرة على حل المسائل الرياضية المعقدة، واستيعاب العلاقات الرقمية بيسر واستخدامها بفطنة،
وثالث أنواع الذكاء هو ذكاء معرفة الذات، ويتجلى في قدرة الإنسان على فهم حالته النفسية وتحولاتها، وأظن أن الفلاسفة والحالمين الكبار أبرز من ينعمون بهذا النوع من الذكاء.
ذكاء معرفة الآخرين هو النوع الرابع وفقا لنظرية جاردنر، وصاحب هذا النوع من الذكاء هو الذي يملك مهارات التواصل والتفاعل مع الآخرين، حيث ينجح دومًا في العمل الجماعي وإدارته من خلال امتصاصه لغضب المختلفين وتيسير التعامل معهم.
أما الذكاء الموسيقي، فواضح من اسمه أن صاحبه هو القادر على معرفة الإيقاعات الموسيقية والتنغم بها والتصفيق معها، ومن المؤكد أن أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وفيروز من أصحاب الذكاء الموسيقي الشديد.
نأتي إلى الذكاء الفراغي أو البصري، وهو الوعي بالمكان والبيئات المحيطة وما يستتبع ذلك من تذكر للشوارع والحارات، مع فهم للخرائط والرسوم البيانية،
أما الذكاء البدني والعضلي، فهو يبدو في التوافق بين حركة الجسد وإشارات العقل، فلاعبو الكرة أمثال بيليه ومارادونا وميسي ومحمد صلاح يمتلكون ذكاء بدنيًا مذهلا.
والذكاء الثامن هو المختص بعلوم الطبيعة، أي فهم الطبيعة والتمتع بجمالها، مثل علماء البيئة وأولئك المتخصصون في علم الحيوان والنبات.
أما الذكاء التاسع والأخير فهو ذكاء الوجودية أو ذكاء الحياة، وصاحبه هو المنشغل بأصل الحياة وكيف ظهرت على الأرض، وهل هناك أكوان أخرى غير الذي يحتوينا؟ ثم ماذا بعد الموت إلى آخره.
لا يغيب عن فطنة اللبيب أنه يجوز أن يتمتع شخص ما بذكاء خارق في نوع، لكنه محروم من الذكاءات الأخرى، فأمير الشعراء مثلا، كان ذا ذكاء مذهل في اللغة، لكنه (فاشل) تمامًا في التواصل مع الجماهير، فلا يستطيع أن يلقي شعره في أمسية على الناس!
لذا، ليتنا نترفق كثيرًا مع أبنائنا المحرومين من أحد أنواع الذكاء التسعة أو أكثر.