جهود الدبلوماسية الرئاسية.. الثمرات الاقتصادية والسياسية
ندرك صعوبة أن يتواجد نظام اقتصادي مستقر بشكل مستدام، والسبب وراء ذلك أن تموج التحديات العالمية التي يتمخض عنها أزمات اقتصادية يؤدي بالضرورة إلى تفكك وانقسام الأنظمة الاقتصادية منها والسياسية، وهذا ما استدعى أن تسارع بعض الدول تجاه بناء تحالفات وتكتلات اقتصادية تسهم في فرض حالة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وينتج عنها تبادلات تجارية واستثمارية بين جميع الأطراف، ومن ثم يتم التغلب على ما يعاني منه الاقتصاد العالمي من قصور ناتج عن أسباب عديدة ومتغيرة.
ونعي جميعاً أن هناك هيمنة من دول بعينها على الاقتصاد العالمي قد يرجع لتفوقها في مجالات بعينها قد تكون عسكرية أو اقتصادية وامتلاكها لمقومات ومؤسسات اقتصادية كبرى منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهذا بالطبع يؤثر على السياسات العالمية في كافة مجالاتها، ويدفع بدول أخرى أن تبحث عن بدائل لتخرج عن حيز الهيمنة والسيطرة كي تستطيع أن تعمل على إحداث تنمية اقتصادية شاملة واستقلالية في صناعة واتخاذ القرار بما يجعل تلك الدول تؤدي دورها بين الدول الكبرى بنجاح.
ونوقن بأن فوائد التكتل الاقتصادي لا تقف عن حد التنمية الاقتصادية المستدامة فقط، بل تهتم بتنمية البنية التحتية بدول التكتل وتفعيل المنح المتبادلة وإتاحة القروض بما يسهم في تعزيز شبكة الأمان الاقتصادي ويحد من فوائد القروض التي تشترطها دول أخرى، وتعمل دول البريكس على توفير الأمن الغذائي وأمن الطاقة المتجددة، وتسعى بطرائق مبتكرة إلى تجويد منظومة الحكومة الرقمية الاقتصادي التي تساعد في إدارة اقتصادياتها بشكل آمن وميسر.
ولم يكن انخراط مصر في مجموعة البريكس من قبيل الترف، بل تمخض عن رؤية ثاقبة لقيادتنا السياسية التي سعت لنهضة الدولة من خلال برنامج اقتصادي متكامل؛ إذ إن الانضمام لهذه المجموعة يفتح مجالًا خصبًا للتجارة العالمية؛ حيث تُعد أسواق دول البريكس من الأسواق الأكثر استهلاكًا في العالم، بما يسمح بمزيد من الاستثمارات والتجارة عبرها، ويتيح فرصة التبادل التجاري، ويساعد في تطوير البنى التحتية ويحسن من التبادل المصرفي، ويضيف للرصيد الخبراتي لقطاعات الدولة المختلفة التجارية، والصناعية، والزراعية، والتعليمية، والثقافية، والخدمية.
وتمتلك مصر برنامجًا اقتصاديًا قويًا يجعلها مؤهلة للانضمام للتجمع الاقتصادي في مستواه التجاري والاستثماري، كونها تمتلك بنية تحتية قوية وموقع جغرافي متفرد وإمكانيات لوجستية تعمل على توطيد العلاقات والشراكات الاستراتيجية بين كافة دول التكتل الاقتصادي، ومن ثم كان هناك ترحيبا بانضمام مصر لدول البريكس.
وثمة إجراءات وتدابير قامت بها الدولة المصرية ساهمت في تشجيع الاستثمار الأجنبي منها القانون الجديد المنظم لعمليات الاستثمار الذي حفزت بنوده المستثمرين لعقد شراكات في العديد من المجالات الاقتصادية بكافة ربوع الوطن، كما تمتلك مصر القدرات البشرية المدربة والمؤهلة التي تساعدها في تحقيق الإنتاجية التي تستهدفها المؤسسات الاقتصادية، ناهيك عن دورها السياسي والدبلوماسي الذي ظهر بوضوح في حل المشكلات والنزعات الدولية.
ونترقب ثمرات البريكس على الدولة المصرية توافر احتياجات النقد الأجنبي الذي يسهم في توفير مقومات التنمية الصناعية للمؤسسات، ومن ثم يساعد في زيادة الصادرات الدولية، وهذا يوفر بالطبع المزيد من فرص العمل ويحد من معدلات البطالة، ويمكن الدولة من تقديم خدمات مجتمعية سواءً أكانت تعليم متميز أو رعاية صحية متميزة أو زيادة الإنفاق على البحث العلمي والتطور التقني.
وفي الحقيقة هناك علاقات اقتصادية متميزة بين مصر ودول البريكس قبل انضمامها للتكتل وعلى مدار سنوات طوال، ومن ثم ساهم ذلك في تعضيد الثقة بين تكتل بريكس والدولة المصرية، ومن الدول التي عقدت شراكات تنموية مع مصر دولتي الصين والهند التي زادتا من حجم استثماراتهما مع مصر لما تدركه الدولتان من أهمية جيوسياسية للدولة المصرية في المنطقة، وهناك استثمارات وشركات للبرازيل ودولة جنوب أفريقيا.
والعلاقات المصرية الروسية شهدت تطورًا ملموسًا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره بفلاديمير بوتن على كافة المستويات العسكرية والاقتصادية والسياسية؛ حيث حصلت مصر على التجهيزات العسكرية الروسية المتطورة وصور التعاون الاقتصادي المرتبط بالصناعات التحويلية، والطاقة، والزراعة، والبنية التحتية، ناهيك عن الاهتمام المشرك بين الدولتين بالعديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما أن هناك أطر واتفاقات بشأن تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.
إن التكتل الاقتصادي الذي يباشر أعماله سوف يخلق مناخًا جديدًا للاستثمار؛ نتيجة لمساحة الدول المنضمة وعدد سكانها ومن ثم يعطي هذا قوة اقتصادية جديدة تؤدي دورًا واضحًا في النظام الاقتصادي العالمي ويفكك هذا التكتل محاولات فرض القيود على مسارات الاقتصاد العالمي؛ حيث إتاحة الشراكات والتبادلات التجارية بين الدول الأعضاء تساعد في التنمية الاقتصادية بصورة متسارعة.
وتجمع البريكس يساعد في تكثيف الجهود السياسية التي تؤدي دورًا فاعلًا في إدارة الأزمات السياسية العالمية، وتستطيع أن تتغلب على الأزمات الأمنية التي تهدد أنشطتها، وتعمل على ضبط قواعد العمل في النظام الاقتصادي العالمي؛ حيث تعمل على دحر محاولات التدخل من الدول التي تحاول فرض هيمنتها على دول مجموعة البريكس.
وحري بالذكر أن دول البريكس وفي مقدمتها روسيا والصين تساهم في تعضيد الأمن الدولي كونهما يشغلان مقاعد دائمة بمجلس الأمن، وهذا في حد ذاته يعمل على تحقيق حالة التوازن بين القوى، ويؤدي بالتعاون مع الدول التي تشغل مكانة جغرافية مثل مصر إلى ضبط حركة التجارة العالمية.
ونثمن جهود الدبلوماسية الرئاسية التي ساهمت في انضمام الدولة المصرية لهذا التجمع؛ لتستطيع الدولة أن تحقق التكامل الاقتصادي المنشود من منظور تبادل المصالح، كونها تتغلب على كافة التحديات والمعوقات والحواجز التي تحد من فاعلية التبادل التجاري وعمليات الاستثمار، وهنا يتوافر الدعم المعلوماتي غير المشروط لتطوير المؤسسات في مجالاتها النوعية المختلفة.
وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي له فلسفة واضحة في دبلوماسيته الرئاسية؛ حيث تقوم على تعاونات وشراكات الدولة وفق منهجية شفافة تعتمد على مبادئ وقيم تمنع من مسارات ومآرب الاستقطاب؛ فمنهج التعامل يقوم على الحياد؛ حيث لا تتدخل الدولة في شؤون دول أخرى ولا تحاول أن تكون مع طرف على حساب طرف آخر، وهذا ساهم بقوة في بناء أطر من التعاون والشراكات الإيجابية والانفتاح مع كافة دول العالم.
والمتابع لما أبرمته الدولة المصرية في عهد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي من اتفاقيات دولية عديدة يصعب حصرها خاصة في المجال التجاري والاستثمار والتعاون البحثي والتبادل الخبراتي في مجال التقنية، وابتكارات الحفاظ على البيئة وصيانتها من خلال الاقتصاد الأخضر، وآليات تدشين البُنى التحتية الأساسية والتقنية، واستراتيجيات تطوير التعليم، وطرائق تنمية الوعي الصحي والرعاية الصحية، وهذا كله يرتكز على أن الدولة المصرية تقف على مسافة واحدة من جميع الدول ولا تستمال لسياسة بعينها.
وفي خضم أعمال قمة بريكس نتطلع لمزيد من معدلات الإنتاج والتبادلات التجارية وتوسيع أطر التعاون مع وطننا الحبيب وتوفير الفرص التمويلية لمشروعاتنا القومية لتستكمل مراحلها وفي خطة الدولة الاستراتيجية، ومن ثم تتحقق أهداف التنمية الشاملة المستدامة وفق رؤية مصر الطموحة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع