لم يكن كغيره، كان على يقين من ذلك، فلديه كنوز من القدرات ليست لأحد. ولكن كيف يثبت ذلك للناس التي لا ترى فيه ذلك؟ لابد أن يصل إلى ما لم يصل إليه أحد من قبل، بل عليه أن يصل إلى ما يعتبره الناس مستحيلًا، شيء مادي لا يختلف عليه اثنان وليس معنويًا يختلف في قيمته الناس باختلاف مداركهم. لماذا لا يصنع من التراب ذهبًا ؟! فهذا برهان لا لبس فيه لأي عين، قرر أن يبدأ. وبدأ، وحاول ففشل، وأعاد المحاولة ففشل. لم ييأس أبدًا فثقته بنفسه لم تكن تحدها حدود. ظل طوال عمره في محاولات متكررة حتى وصل أخيرًا ، ولكن وهو في أرزل العمر، لقد نجحت التجربة وأصبح التراب أمامه تبرًا لذهبٍ حقيقي يومض كأنه الشمس. كم كانت سعادته وكم كان انبهاره بنفسه لهذا الإنجاز المستحيل. كان لابد له من التأكد. ذهب إلى متجر للذهب، وأخرج ما لديه وقال لصاحبه: أريد أن أبيع هذا الذهب؟ فحملق الرجل فيه مليًا متعجبًا ثم ابتسم وقال: أي ذهب؟ لا أرى إلا ترابًا! أمجنون أنت أم لص؟ أخذته المفاجأة الصاعقة، فصرخ: إنه ذهب ألا ترى؟! هدده الرجل باستدعاء الشرطة، فتركه وذهب لمتجر آخر وآخر وآخر فواجه نفس الموقف، حتى شاع أمره بين التجار واستدعوا له الشرطة فهرب. عاد لمنزله محطمًا تمامًا، وراح يقلب الكف على الكف وهو ينظر إلى أكوام الذهب أمامه وهي تومض بالبريق ويحدث نفسه، أليس هذا ذهبًا؟! أليس هناك عيون ترى أو عقول تعي؟ إن نظري سليم، لست مجنونًا، الجميع يخدعني، هناك شيء لا أفهمه، لم يعد لي إلا الموت فقد أنفقت عمري في ذلك وانتهى الأمر. جلس يكتب وصيته، وحرص أن يبرز فيها رغبته في بناء قبر له من أكوام الذهب في منزله التي يراها الناس ترابًا. ولم يلبث أن مات وسره معه، ونفذت وصيته كما أراد تمامًا رغم استخفاف الجميع بما ورد فيها. ومرت سنوات طوال .. طوال، حتى اكتشف الناس في زمن من الأزمنة أن هناك قبرًا قديمًا وسط المقابر يلمع في النهار ويومض في الليل، فاقتربوا منه حذرين متعجبين، ليكتشفوا أن القبر من الذهب الخالص!