من وادٍ إلى وادٍ، سرت وحدي باكيًا
في ظلامٍ حالكٍ، يسودني العناء
أبتاه، كم كان قربك بعيدًا عن سمعي
وأنت تُسافر في عوالمٍ لا تُجدي فيها العزاء.
أبي، كم أسفِي على أيامٍ ضاعت سدى
حيث عشت في ركنٍ من بؤسٍ وحرمان
تركتنا نواجه مصيرًا بلا ناصرٍ ولا معين
تحت سماءٍ ملبّدةٍ بغيوم الحزن والأحزان.
لم يكن السفر، يا أبتاه، هو ما ابتعدت به
بل كنت في حينا، والقلوب تمزقنا شوقًا
تعيش كالأمبراطور في قصرٍ من الغيوم
بين نسائك، تلهو، ونحن في الألم نتألم.
أين هو الحنان، أين كانت عواطفك، يا مغرور؟
تركنا نواجه لظى الجوع، والجوع يستعر
قلوبنا تتشقق كالأرض الجدباء، بانتظار الندى
لكن الأمل بعيدٌ، والجرح لم يندمل بعد.
كم من ليلةٍ قضيتها على الأرض قاعدًا
أحتضن البرودة، والصمت رفيقُ الجسد
أبكي في صمتٍ رهيب، وآلامي تسيل كالنهر
دموعي كانت كالنار، تنفجر من عيوني.
كنت أرى إخوتي كالأعداء يتربصون بي
يُلقي كل منهم لعنةً، ويُخضعني لجبروته
أحيانًا تُطردني الأقدار إلى الشوارع
بينما البرد ينخر عظامي، وأنا في قيد الصمت.
ومضةٌ من الأمل كانت تُخادعني أحيانًا
كطيفٍ يمر في ليالي السواد، ينسل بين الأحلام
أمي، أين أنتِ في ضجيج هذه الحياة؟
تعملين بعيدًا، والحزن يلتف حولي كطوقٍ.
وفي العزلة، أرى جدران المنزل تُخبئ آلامي
أبتاه، كيف تركتنا في ظلماتٍ بلا نجوم؟
ألم يكن لنا حقٌ في حضنك، في دفء كلامك؟
أم أن العواطف، كالأشباح، تهاجمني في المنام؟
الحياة، يا سادة، ليست إلا دروسًا قاسية
تُعلّمنا الفشل، وتعلّمنا كيف نواجه الأقدار
فإذا كنت لا تُؤمن بشيء، فلتؤمن بأن الألم
سيُسطر في القلب ذكرياتٍ لا تُنسى، تُشعل النار.
فها أنا أكتب، أروي كلماتي كالجمر
في قلب الصحراء، أسير وحدي كالأطلال
يُنادي الليل: أين السعادة، أين الأمان؟
وأنا أُجيب بصوتٍ كالعاصفة: في قلب العذاب!
هذا هو قدرنا، بين الدموع والأنين
سنبقى نحارب حتى النهاية، بلا خجل
فالأيام ستعلّمنا كيف نتجاوز الآلام
وستبقى أسماؤنا كالأصداء في سماء البؤس.
هي الحياة، يا قوم، كما أرادها القدر
تعلّمنا كيف نحب، وكيف نفقد ما نحب
فكن معي، ولا تتركوا الألم يسود القلب
فمعًا، سنعبر وادي العذاب نحو النور المنتظر!
المملكة المغربية