يؤدي الإعلام بتنوعاته المختلفة دورًا رائدًا وملموسًا في تنمية الوعي السياسي إذا ما أخذ على عاتقه معايير النزاهة والشفافية وتحري المصداقية فيما يتناوله من حقائق، وهنا يوسم المنبر الإعلامي الموضوعي والصادق بالمهنية في تناول كافة القضايا والأطروحات محل الاهتمام المجتمعي، وهذا الإعلام المهني يستطيع أن يشارك في دحر الشائعات المغرضة ويقضي على كافة محاولات تشويه الوعي السياسي ؛ حيث إن الاهتمام بتزييفه وتشويهه في أذهان الأفراد بات أمرًا يشغل أصحاب الأجندات الخارجية الذي أخذوا على عاتقهم أمر تفكيك المجتمعات والعمل على انهيارها.
ونكاد نذعن بأن للمؤسسة التربوية دورًا لا يستهان به في ترسيخ القيم والمبادئ التي تسهم في البناء الفكري الصحيح لدى الفرد، وأن هناك دورًا ملموسًا في تنمية المفاهيم السياسية التي يتشربها المتعلم عبر أنشطة مقصودة يمارس مهامها داخل جدران المؤسسة، ومن ثم يعي العمق المرتبط بها؛ حينئذ يفقه المتعلم ماهية الحقوق السياسية وما عليه من واجبات ومسئوليات تحثه على المشاركة والاهتمام بحثياتها، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل يستوعب مسارات الوعي السياسي المشروعة والتي من خلالها يستطيع التعبير عن رأيه بكل حرية وحيادية.
ويُعد تنمية ركائز الوعي السياسي من أهداف المنهج الدراسي الوطني عبر أنشطته المقصودة التي تسهم مهامها في تنمية هذا النمط من الوعي، وهذا يأخذ مسارين الأول التكامل فيما يتم تناوله من مفاهيم سياسية مترابطة ومتسقة مع بعضها البعض والثاني التسلسل؛ حيث يأخذ الطرح السلم التعليمي بتدرجاته، كما أن هناك فعاليات حية تطرح من خلالها القضايا السياسية ويتم الحوار والمناقشة حولها وتقدح الأذهان بمزيد من الأفكار والرؤى حيالها، كي نحصل على آراء في ثيابها الجديد، ونستطيع أن ننمي مهارات التفكير العليا لدى المتعلمين بممارسة التحليل والتركيب والاستنتاج والاستنباط والنقد، وتقديم الحجج والبراهين لوجهة نظرهم، ومن ثم يتمكنون من إصدار أحكام مستندين على معايير واضحة في أذهانهم.
وهنا تسهم المؤسسة التعليمية في تعزيز مساحة التواصل الفعال والمباشر بين الفرد والمؤسسات الحكومية، ويجعله يقدر الجهود التي تبذل على المستوى السياسي من قبل القيادة السياسية وممثلي الحكومة على كافة الأصعدة، وهذا بدوره يعزز ماهية الولاء التي تتكامل مع قيمة الانتماء؛ حيث إنهما لا ينفكان عن بعضهما البعض، وهو ما يشعر المواطن بالفخر والعزة كونه ينتمي لوطن آمن حاضن له ملبي لاحتياجاته داعم لتطلعاته وآماله وطموحاته نحو مستقبله المشرق.
إن تدريب الفرد على لغة الحوار البناء والمناقشة الحرة والمنضبطة مع الطرف الآخر وفق آداب وأسس تحقق الهدف المنشود منها مهمة رئيسة تضطلع بها المؤسسة التعليمية في المقام الأول؛ حيث تؤكد من خلال مناشطها على صورة الحرية المسئولة التي تساعد في إيجاد مُناخ إيجابي يحض على العمل والبناء، وهذا في حد ذاته يؤهله لخوض غمار السياسة وقد نضجت القضايا وما يتمخض عنها من مفاهيم سياسية.
وتحرص المؤسسات الدينية على تعضيد ماهية الولاء والانتماء؛ حيث تستهدف عبر ما تتناوله من موضوعات وقضايا العمل على ترسيخ الهُوِيَّة والتي تُعبر عن ذات الفرد وكيانه الذي يرتبط بمولده وانتماؤه، والثوابت التي يتمسك بها من لغة ومعتقد وقيم موجهة لسلوكه، ومقدرته في الحفاظ على تراثه، واعتزازه بثقافة موطنه، والتفاخر بحضاراته، والطموحات والآمال المشتركة مع بني وطنه نحو المستقبل؛ بالإضافة إلى تعزيز الروح الوطنية وإشاعة التسامح ونبذ الخلاف بين جميع شرائح المجتمع المصري، وهذا بالطبع يصب في بوتقة تنمية الوعي السياسي دون مواربة.
وندرك أن هناك ثمة ارتباط إيجابي بين ماهية الولاء والانتماء والهُوِيَّة تعززه المؤسسات الدينية؛ حيث نرى صورة الشعب المصري العظيم عندما يستشعر المسئولية جراء النداء الذي يحثه على حماية مقدرات وطنه وحماية أمنه القومي؛ إذ نشاهد رأيًا موحدًا واصطفافًا سريعًا من كافة أطياف الشعب الهمام، وفي ذات الوقت ينحي هذا الشعب الواعي جانبًا كافة الخلافات، أو التوجهات، أو التباين للرؤى حيال شتى القضايا؛ لتحل محلها القضية الكبرى التي يجتمع عليها المصريون، والتي تتعلق بالأمن القومي للوطن.
ونوقن أن تنمية الوعي السياسي لدى الجمهور يشكل ظهيرًا مساندًا لتوجهات الدولة السياسية، وهنا ندرك مدى أهمية مشاركة المؤسسات المجتمعية في تنمية الوعي السياسي
حيث تحض على المشاركات السياسية لمن تجب عليه، وتحث على أن يستقي الفرد معلوماته من الجهات الرسمية للدولة دون غيرها، كي لا يتعرض للتزييف أو للشائعات المغرضة، كما نؤكد على أهمية التضافر المجتمعي لاستكمال النهضة، وتوضح التحديات السياسية التي تمر بها البلاد، وتحفيز الجموع للانخراط في منظمات الدولة الرسمية التي تتيح المشاركات السياسية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر