إذا ما تفكرنا فيما تسببه الشائعة للفرد، أو الجماعة، أو المجتمع نجد هناك آثار سلبية عديدة تؤدي في بعض الأحيان إلى اخفاق الفرد نتيجة لإحباطه، أو تراجع الأداء العام للجماعة نظرًا لتفككها، وخلافات تدب في جسم المجتمع لتباين الرؤية واختلاف المصالح وضعف العلاقات، وهذا بالطبع يحدث حال فقدان الوعي الصحيح الذي يقي الجميع من هذه الآثار غير المرغوب فيها.
وبغض النظر عن المجال الذي تستهدفه الشائعة؛ إلا أن أنماطها العديدة تسعى لخلق مناخ غير مستقر، يعمل على إيجاد شعور غير إيجابي ينتج عنه مخاوف لا تمت للواقع بصلة، ناهيك عن تخلي الفرد عما يؤمن به من دلالات قيم نبيلة؛ فتجد أن الخشية والخوف والقلق تجاه المستقبل يسجل أعلى مستوياته، وأن الثقة والأمان والعزيمة والإرادة تضعف مع مرور الوقت.
وعندما نمعن بما تتركه الشائعة المغرضة على المستوى النفسي إذا ما نالت من شخصنا؛ حيث الألم النفسي المبرح الذي يؤدي إلى ارهاق الذهن والعقل ما ينتج عنه آلام يعاني منها كل عضو في الجسد ويقال عنها حينئذ مجهولة السبب؛ لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد فقد تنال من شهية الفرد فلا يستطيع أن يأكل أو يشرب أو يمارس ما يحب من عادات يومية، وهو ما نفسره بالشعور السلبي المستدام.
ونوقن أن الشائعة لها امتداد بين المكون الأسري إذ تعمل على إحداث ارباك في العلاقات الأسرية وقد تؤدي إلى تفكك تماسكها وفي بعض الأحيان تتسبب في القطيعة، ناهيك عن الهدم الكيان في بعض الأحيان، وبالطبع تلك الآثار المدمرة تتوقف على توافر عوامل تساعد في ذلك، يأتي في مقدمتها طبيعة التربية والتنشئة التي تعتمد على حب الذات والتفكير السلبي تجاه الآخرين.
وإفساد العلاقات بين فئات وطبقات المجتمع من غايات الشائعات المغرضة التي تستهدف النيل من الكيان المجتمعي؛ إذ تستهدف أن يسود الخذلان والظلم وضعف الترابط بين أفراد المجتمع، في مقابل أن تضعف روح الأخوة والمحبة والتعاون والتكافل والرباط بين أفراده، ومن ثم نجد أن انتشار الشائعات وتقبلها يؤدي بالضرورة للانقسام في الأمور المشتركة ويعضد مداخل الفساد والإفساد، بل ويبرر لها، ويعزز الخلق الدميم.
وكبرى مخاطر الشائعات تكمن في انهيار النسق القيمي للمجتمع؛ فبسببها لا تتقبل الأجيال المشوهة فكريًا ماهية الصدق، والأمانة، والشرف، والعفة، والطهارة، والإيثار، والتكافل، والشعور بالمواطنة الصالحة وما يترتب عليها من ولاء وانتماء وتحمل للمسئولية، وحفظ وصيانة المال العام، والجد والإخلاص في العمل، وغير ذلك مما يصعب تناوله أو استعراضه من قيم نبيلة.
وتجريم الدول للشائعات ومروجيها تأتي من آثارها المدمرة على كافة المستويات سالفة الذكر؛ فمما لا شك فيه أن المجتمعات التي تنتشر فيها الشائعات وتلقى قبولًا من مصادرها المتعددة تجدها تعاني من ضعف ووهن في مكونها وترهل في نسيجها، ومن ثم لا تستطيع التحدي أو الصمود أمام ما قد يواجهها من أزمات، كما تجدها لا تقاوم مداخل النزاعات المسلحة؛ فيسهل أن تنشأ بها الجماعات والمليشيات المسلحة التي تعمل على تهديد أمنها وأمانها، ناهيك عن حالة تكدير الصفو المجتمعي التي تعيشها تلك المجتمعات على الدوام.
ومن يقوم على ترويج الشائعات ويستخدمها كرب نفسية يقوض بها نهضة الدول ويعرقل تقدمها يدرك تمامًا خطورتها تجاه هدم ثوابت الأمم والشعوب؛ حيث تعمل بقوة على إضعاف التمسك بالنسق القيمي من خلال الفرد والمجتمع، وهنا يتم التخلي بكل سهولة عن الآمال والأحلام والأهداف؛ فالمستقبل بالنسبة لهم لا يرد ولو في الأحلام، بينما التخطيط لدحر الاستراتيجيات التنموية يكون على قدم وساق.
والنتيجة المحتومة جراء فاعلية الشائعات في المجتمعات تشعر المكون المجتمعي بمشاعر سلبية لا حصر لها؛ فينتاب الفرد الإحساس بالعزلة وقلة التقدير واحترام الخصوصية وانتهاك الحقوق، ويلحق به براثن الاكتئاب وضعف الإحساس بالمسئولية وبعده عن المساءلة وغياب تقييم الذات ومراجعتها لغياب الضمير الجمعي، وفي المقابل تزداد لديه الرغبة في الانتقام ويتنامي لديه مقومات الحقد، والغيرة، والتحاسد، والتباغض.
إننا في أشد الحاجة لتنمية الوعي الصحيح والعمل بشكل متواصل على دحر منابر الشائعات المغرضة ومحاربة مروجيها وتجريم أفعالهم وتغليظ حد العقوبة عليهم؛ فمن يستهدف خلخلة الأمن والأمان ويعمل على إضعاف حالة الاستقرار التي نعيشها يحرم عليه نسيم الوطن.. ودي محبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر