يمتلك المجتمع المصري نسقًا قيميًا يحافظ من خلاله على ثوابته ومبادئه ويعد هذا النسق جدار حماية من التغيرات المجتمعية الجارفة التي اجتاحت العالم بأسره، ومن ثم أضحى تشكيل سلوك المواطن مرهون بتمسكه بنسقه القيمي الذي يكتسبه بصورة مقصودة من مجتمعه ومؤسساته المعنية، وفي ضوء ذلك يصبح قادرًا على المضي قدمًا نحو مسار النهضة في صورتها المستدامة بشتى المجالات في خضم ما توارثه من ثقافة وقيم ومعتقدات وعادات تعبر عن حضارته.
وتعالوا بنا نستوضح ماهية القيم وأهميتها في بقاء وتقدم ورقي المجتمعات؛ حيث تشير القيم إلى مجموعة المعايير والمبادئ التي يقرها المجتمع، وتُسهم في تشكيل معتقد الإنسان، وتصبح لبنة لتفكيره وقناعاته، وموجه لسلوكه وفق ما ينبغي القيام به من واجبات، وما يتمسك به من حقوق مشروعة في أبعاد الحياة الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية والبيئية والعسكرية والصحية، بما يؤدي إلى تكوين المواطن الصالح الذي يمتلك من الخبرات ما يجعله قادرًا على تحمل المسئولية مواليًا ومنتميًا لتراب وطنه محافظًا على مقدراته وهويته القومية، مضحيًا بنفسه من أجل حماية أمن وطنه القومي، معتزًا بثقافته مفتخرًا بحضارته، مشاركًا في الإعمار والنهضة.
وهنا نوقن بأن انتشار الشائعات التي تستهدف هدم النسق القيمي لمجتمعنا المسالم باتت مفضوحة؛ حيث تستهدف صراحة تقويض جهود التنمية وبث الرعب والقلق والتقليل من دور الدولة ومؤسساتها فيما يرتبط بآليات الضبط المجتمعي والحفاظ على النظام العام، ناهيك عن إضعاف روح التعاون والتشارك والتكافل والتراحم والمحبة بين أطياف المجتمع.
وندرك أن الشائعات التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تستهدف النيل من ثوابتنا ونسقنا القيمي، تكمن خطورتها في إضعاف الإنتاجية في أبعاد الحياة قاطبة والتي تشمل الاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية والبيئية والعسكرية والصحية والتعليمية، وهذا يستوجب أن تضرب الدولة بيد من حديد لكل من يبث الشائعة وما يتسبب في إرباك المجتمع ويحض على ما يخالف نسقه القيمي ويكدر صفوه وينال من طهر وعفاف منتسبيه.
ونوجه كلمة صريحة لمن يدعون الحرية ويحضون على تناول خصوصيات المواطنين، بل ويدعمون الحرية بصورة مطلقة؛ فنقول لهم إن الحرية المسئولة تأخذ مستوى متقدم في السلم القيمي؛ فقد منحت للإنسان منذ ولادته على أن يدرك مع الوقت ضوابطها ومعاييرها وضرورتها في أن يختار الطريق الصواب، ويسعى لتحقيق أهدافه الخاصة التي تتسق مع أهداف الجماعة المنتمي لها، وإذا ما تعدت الحرية حقوق الآخرين واستهدفت النيل من قيمهم النبيلة التي يؤمنون ويعتقدون فيها؛ فإنه لا سبيل إلا المواجهة الحازمة والردع الفوري من قبل مؤسسات الدولة المعنية.
ولا نغالي إذا ما قلنا إن انتشار الشائعات التي تستهدف هدم النسق القيمي للمجتمع المصري تستهدف أيضًا فك نسيجه ولحمته من خلال العمل الممنهج على إضعاف ماهية الولاء والانتماء والتي بهما تتأكد صورة الهُوِيَّة وتُعبر عن ذات الفرد وكيانه الذي يرتبط بمولده وانتمائه، والثوابت التي يتمسك بها من لغة ومعتقد وقيم موجهة لسلوكه، ومقدرته في الحفاظ على تراثه، واعتزازه بثقافة موطنه، وتفاخرهبحضاراته، وطموحاته وآماله المشتركة مع بني وطنه نحو المستقبل.
ونقول لمنابر الخبث والشر ومروجي الشائعات إن مجتمعنا المصري العظيم سيظل محافظًا على قيمه والتي بها يحافظ على مقدرات وطنه ويعمل على صيانتها ولا يقبل بأي حال حالات التعدي عليها؛ فعلى سبيل المثال يمتلك كل مواطن منا قيمة المسئولية المجتمعية، ومن خلالها يعي ويحترم كل مواطن ما أقره الدستور والقانون؛ فيحرص على أن يلتزم بالسلوك القويم، بل ويحث غيره على التمسك به.
ونؤكد بأنه رغم المخاطر التي تنتج عن أنماط الشائعات المستهدفة لانهيار النسق القيمي للمجتمعات؛ إلا أنه لن يصيبناالشعور بالإحباط أو الكلل والملل، وبفضل الله تعالى سنواجه كافة التحديات والصعوبات وسنحول الأزمات لمنح بأسلوب راق هادئ لا يغمره التسرع والاندفاع غير المحسوب؛ فلا استسلام في حالة الشدة أو تفاقم الأزمات.
ونؤكد لممولي المنابر التي تساعد في بث الشائعات المستهدفة لهدم النسق القيمي للمجتمع المصري أن لدى كل مصري إرادة وصمود وثقة بالنفس، ناهيك عن محبة تجعله حريصًا على الآخر واحترامًا لما يسهم في تعضيد العلاقات الإيجابية والتي تؤدي لمزيد من التواصل والوصال، والتقدير والاحترام.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر