إذا ضاقَ بالناسِ الفضاءُ المهيب
وأصبحتِ الأرضُ كالسيفِ الغريب
تجمّدتِ الأرواحُ في كهفِ عزلِتها
وأضحى السباتُ للنفوسِ طبيب
فما النومُ إلا غطاءُ الضعيفِ
ولكنَّ سُباتَ الحكيمِ نجيب
يُجمّدُ في العقلِ شوقَ الحياةِ
ويُطفئُ نارًا أشعلتها الخطوب
رأينا الديارَ تنوءُ بالظلمِ والجورِ
حيثُ الصراعُ على المجدِ مُهيب
وأضحتْ القلوبُ تُكابدُ وجعًا
وحزنًا يهدُّ النفوسَ الرهيف
أيا مَن يُعيبُ على العزلةِ خيارَها
أما كنتَ تدري بأنَّ الظلومَ كئيبُ؟
يُلمُّ الشجاعُ جراحَه في صمتٍ
ويعتزلُ الجمعَ إذا الجرحُ يُعيب
فما الوحدةُ إلا كنزُ المعاني
وفيها المداوي، وفيها الطبيب
إذا اختارها المرءُ لم يكن خائفًا
ولكنها حصنُ العقولِ المُصيب
تركنا الورى في ضجيجِ المجونِ
وغادرنا عالمًا تَلوَّثَ رهيب
واخترنا صُمودًا على هامِ وجعٍ
فإذا بنا صادقونَ وقلوبُنا قريبُ
تُرى، هل يُلامُ الفؤادُ المُتعَب
إذا اعتزلَ الشرَّ في بحرٍ عجيب؟
وهل يُعابُ نسرٌ عزلَ سماءَه
إن كانَ في الأرضِ سيفٌ مُهيب؟
هي الحياةُ تصفعُ الغافلينَ
وفي طيِّها للحكماءِ نصيب
تُصقَلُ النفوسُ على نارِ الألمِ
ويُغزلُ منها الفؤادُ العجيب
فامضِ أيها القلبُ في عزلتِك
واشفِ الجراحَ، وصِرْ لها طبيب
وفي يومٍ تعودُ قويَّ الجناحِ
كالصقرِ يُحلّقُ في العُلا الرحيب