تُعد لغة الضاد من اللغات الثرية التي شكلت تراثًا ثقافيًا لا يضاهيه مثيل من لغات العالم قاطبة، كما أن ثراء اللغة العربية لا يقابله نظير من أي لغة أخرى؛ ومن ثم كان لزامًا علينا أن نحتفي بها بصفة مستدامة، كيف لا وهي لغة القرآن الكريم الذي نحفظه في صدورنا، ونحمل معانيه في وجداننا، وتتعانق أروحنا بما يؤمرنا به من خيرات، ونهجر ونغادر كل ما ينهانا عنه من منكرات ومكروهات لا تتآلف معها النفس ولا تتكيف مع الذات!
نفخر بلغتنا الجميلة الغنية بالمعاني المتفردة، التي شكلت حضارتنا التي نفتخر بها؛ ومن ثم كانت ومازالت حاوية لتراث نضيف إليه كل يوم معان جديدة، وخبرات ذات ثمار يانعة، تُعد غرسًا يتوارثه جيل تلو الآخر؛ ليشعر بالفخر والخيلاء كونه يحمل أفضل لغة على وجه المعمورة المليئة بلؤلؤ المترادفات التي تعجز لغات أخرى الإتيان بها، أو حتى مقابلة بعضًا منها.
ومن يبحر في لغتنا الجميلة، ويستقى من رحيق طيب بلاغتها يتذوق معان وألفاظ تكسب الأذهان دلالات وتعابير عميقة، تصقل الوجدان، وتفتح للتفكر والتفكير مجالًا خصبًا لنهل المزيد منها، بل وقد يبدع الفرد في سرد عبارات وتراكيب رطبة تحمل أصالة وجدة وتفاصيل، لم يتسن للأفهام التعرض لها من ذي قبل؛ إنها لغة البيان والبديع التي لا ينقطع سريان نهرها الجاري، ولا يتوقف فيض قطرات أمطار غيثها المتوالي.
لغتنا الجميلة البسيطة في بعض تراكيبها والمعقدة في بعض معانيها، والتي يصعب حال حصر مهاراتها من تحدث واستماع وسطر كلمات وصرف لها، وبلاغة في التعبير وتبيان في صدى أصواتها؛ فهي لغة معجزة في مكونها ومكنونها؛ حيث إن جمال أدبها وما نثر من خلالها من شعر سحر الخيال، وأبهر أباطرة البيان في العالم بأسره.
إن لغتنا الجميلة شكلت بكل فخر واعتزاز هُوِيَّتنا التي حددتها وترجمتها في مجموعة القيم والأخلاق الحميدة، والخبرات التاريخية التي صنعت لدينا وعيًا برسوخ عقيدتنا الوسطية، ووسمتنا بخصوصية فكرنا الذي ساعدنا في خلق حضارتنا المجيدة؛ فاستطعنا أن نُعبر عن ذواتنا، وأن نحفر ماضينا بماء من ذهب، ونرسم مستقبلنا وملامحه بثقة وثبات.
ولغتنا العربية الفريدة صنعت وعيًا يترجمه إدراك غير مشوب، محملًا بمعارف وما يرتبط بها من ممارسات سوية، تحدث الأثر الإيجابي في النفس، وتعبر عن صدق المشاعر، وتدفع الإنسان نحو العطاء والعمل؛ بغية الإعمار وأداء رسالة حملها منذ الأزل، كما أنها لغة عظيمة صقلت شخصية متعلميها بصفات جوهرية استمدها من تراث خلفته أمهات الكتب، التي سطرتها أياد عطرة، ووجدانيات صافية راقية، في عصور متوالية.
إنها لغة الحوار والنقاش المفتوح والمرن في سياقه، الذي يتقبل وجهات النظر المتباينة، ويحفظ حقوق الآخر، ويحافظ على بُنى المعرفة وأسانيد العقل، إنها اللغة التي تدعم الفكرة، وتقدح الأذهان، بمزيد من أطروحات الأفكار في مجالاتها المختلفة العلمية منها والعملية، إنها لغة التمكين؛ حيث تسمح للفرد أن يخرج ما لديه من تعابير، ويعرض كل ما يجوش في نفسه؛ فيحدث التفاعل الذي تستقر معه الذات، وتعضد فكرة التواصل والتلاحم بين بني البشر في شتى أرجاء المعمورة.
إن لغتنا العربية الجميلة تُعد البصمة المميزة لذواتنا؛ فهي لغة الماضي والحاضر والمستقبل، التي تحفظ علينا أرثنا الثمين الذي نعتز به، ولغتنا الجميلة تعضد لدينا الإيجابية، التي ترسخ ماهية الولاء والانتماء والمواطنة الصالحة في نفوسنا، كما أن لغتنا العربية الراقية تكسب عقولنا المنطق الصحيح في التفكير؛ فعبر تراكيبها تتدفق مسارات المحاججة، التي تقوم على قيمنا الأصيلة من صدق في الحديث، وأمانة في النقل، ومراعاة للخصوصية؛ ومن ثم فهي واق لنا ضد كل ما قد يؤدي إلى الانحراف الجارف بطرائقه المتعددة.
أزعم أننا لا نحتفي أو نحتفل فقط بلغتنا العربية الجميلة الراقية؛ لكننا نفتخر ونعتز بها؛ فهي دون مواربة، أو مجاملة، من أروع اللغات على الأرض؛ كونها لغة أصيلة، لا تنافسها، أو تقابلها لغة أخرى؛ ومن ثم فهي اللغة الرائدة، وستبقى أبد الدهر.. ودي ومحبتي لوطني ولغتي للجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر