في أيام معدودات انقلب الحال في سوريا “المحتلة” إلي عصر جديد حاملا معه الكثير من علامات الاستفهام حول المستقبل في ظل صراع القوي الدولية وإبرام صفقة خبيثة علي رؤوس الأشهاد بمشاركة أطراف معلومة للجميع علي حساب بقايا “وطن”!.
وبين عشية وضحاها تصدر المشهد “جبهة تحرير الشام” داعش سابقا ونجحت الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام “المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة “، والتي يقودها أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”، في السيطرة على مقاليد الأمور في سوريا، وإنهاء أكثر من 5 عقود من حكم عائلة الأسد.
ووسط ذهول كل العرب تجاهل الثوار ما اقترفته إسرائيل في حق سوريا واحتلال أراضي جديدة وتدمير مقدرات الجيش السوري..
وقال الجولاني صراحة “لسنا بصدد الخوض في صراع مع إسرائيل”..
كما كثر الحديث والجدل والتكهنات عما هو قادم، ودعا رئيس الحكومة الانتقالية السورية محمد البشير، ملايين السوريين اللاجئين في دول أخرى للعودة إلى وطنهم، وأكد تحالف الفصائل المسلحة سيضمن حقوق جميع الطوائف والمجموعات، وهو أمر محل شك وريبة، فلم يصدق “الذئب” يوما في نصحه ووعوده بتخليه عن طبيعته العدوانية وقناعاته الفاسدة!
وهكذا بعد سنوات طويلة من الحرب الأهلية انتهت الأمور بطبيعة الحال وقبح المآل لمكاسب وهمية للشعب السوري وديمقراطية شكلية، وإنجازات أخري حقيقية لإسرائيل والقوي الدولية النفعية التي تحتل سوريا فعليا وتحتفظ لنفسها بمناطق نفوذ وقواعد عسكرية في مختلف بقاعها، وفقا لبنود الصفقة الخبيثة !.
ومما يجافي العقل والمنطق، أنه وبين عشية وضحاها هذا التحول الفكري أو “التكتيكي”لجبهة تحرير الشام” أكثر الجماعات الجهادية عنفا وتطرفا إلي قوة وطنية تضطلع بمهمة إعادة بناء وإعمار سوريا والعمل علي تنميتها، وإصلاح ما أفسده بشار ونشر الحق والعدل وكل صنوف الخير والجمال!.
كما أثارت تصريحات أحمد الشرع الملقب ب “الجولاني” القيادي بتنظيم تحرير الشام أو جبهة النصرة “منتخب داعش سابقا” في أول ظهور تلفزيوني استهجانا واسعا بما قدمه من محددات لخطاب تضليلي هدفه غسل أيديه الملطخة بالدماء وتجميل تاريخ جماعته وفريقه الإرهابي وممارساته، والتي فاقت كل حدود العقل والمنطق، دون إعلان للتوبة والمراجعة الفكرية والاعتذار لأبناء سوريا عن سنوات كانت عامرة بالقتل والتدمير وسفك دماء الابرياء، والتسبب في تشريد ملايين السوريين في مختلف بقاع العالم.
وقد أثار حديثه جدلا واسعا لما حمله من تناقضات صارخة، ففي الوقت الذي تحدث فيه عن ضرورة تجاوز “عقلية الثورة” وبناء دولة العدالة والمؤسسات، تجاهل “الشرع” الدور التخريبي لداعش في تدمير سوريا وتهديد استقرارها، وحمل نظام “بشار” كل مآسي البلاد، بينما أغفل جرائم التنظيم التي فاقمت معاناة الشعب السوري وحوّلت كافة المناطق التي سيطر عليها إلى بؤر للفوضى والدمار.
وفي إطار فصول “الدراما السياسية” اعترف الجولاني، بوجود ميليشيات أجانب ضمن صفوف “الثوار الجدد”، وقال: “لدينا مقاتلين من أمريكا وأسيا وروسيا والشيشان”، علاوة علي القادمين من طاجيكستان وأفغانستان وأوزبكستان وألبانيا وباكستان والإيجور علاوة علي بعض المتشددين من دول غربية، بجانب عدد كبير من المتطرفين الفارين الحاملين لجنسيات عربية، وغيرهم.
ووفقا لبعض المصادر الإستخباراتية فقد كشفت أن عدد الأجانب يقدر بعشرات الآلاف من أكثر من 50 جنسية، وهم من المقاتلين الذين يتسمون بالشراسة والتهور، تركوا ديارهم وذهبوا للقتال فى سوريا، تحت عنوان مأساوى، وهو “تحرير سوريا” كما وصفه بعض المحللين!
ومع التقدير للقلة النادرة من أحرار سوريا ممن انضموا مؤخرا إلي هذه الجماعات المسلحة، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فإن التوصيف الأصح لهذه الجبهة ولهؤلاء المارقين، فهم من فصيل خونة الدين والأوطان في ثياب ميليشيات مسلحة أمسوا في مهمة استراتيجية خبيثة، لإشعال الحروب بالإنابة، ودستورها القتل والدمار والخراب،
ولا علاقة لهم بالثورة أوالمعارضة الوطنية المسؤولة، وهذا ما سنراه جليا خلال المرحلة القادمة!.
ومن القراءة الأولية لسيناريوهات مشهد تحرير سوريا من قبضة “بشار” وتسليمها علي طبق من فضة ل “تل أبيب” ، يشي بإبرام صفقة خبيثة دبرت بليل لتصفية فكرة المقاومة، وإنهاء مقدرات الجيش السوري أحد أكبر الجيوش العربية في وقت ما، وتجميع فلول الإرهاب وإلباسهم لباس الوطنية، استعدادا لبدء مرحلة جديدة.
في تصوري، ووفقا لمعطيات الواقع فإن الكتائب المسلحة اقترفت خطأ جسيما بالمشاركة بعلم أو بجهل في تلك المؤامرة الخبيثة والتي اكتمل حصادها المر بتحرير سوريا من قبضة بشار لتسليم ما بقي منها لإسرائيل والقوي الدولية الطامعة، يضاف لسجلها الحافل بالدماء لتثبت كل يوم أن لا علاقة لها بمشروع عربي إسلامي حضاري راشد للوحدة والتكاتف ونبذ النعرات الطائفية الأيديولوجية.
هؤلاء هم “عرائس جهنم”التي رقصت طربا وفرحا وابتهاجا بسقوط سوريا وخلاصها من يد بشار كي تصبح لقمة سائغة للكيان الصهيوني، وابتلعها في أيام معدودة ودمر جيشها..
وربما تلتقط الأنفاس لبدء جولة جديدة من المهام الموكلة إليها وتصويب سهامها المسمومة لدول عربية أخري !.
والأمر المؤكد أن الأيام القادمة ستكشف لا محالة عن خيوط ومسارات هذا المخطط الخبيث وطبيعة مهمته القادمة..
لقد كشفت الدبلوماسية المصرية عن ملامح هذا المخطط تلميحا وتصريحا مؤكدة “وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السوري ودعمها لسيادة سوريا ووحدة وتكامل أراضيها”.
كما نددت في بيانات لاحقة بالتوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة بالجولان والضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية سورية، والتهديد بزيادة عدد المستوطنات والسكان في الجولان.
وانطلاقا من دورها المحوري أعربت القاهرة عن دعمها لعملية سياسية شاملة ذات ملكية وطنية سورية خالصة دون إملاءات أو تدخلات خارجية”..
كما حذرت مرارا من خطورة الجماعات الإرهابية و الإنسياق خلف فكرة الديمقراطية المزيفة ..
وتبقي أرض الكنانة الحصن الآمن بعناية الله وإرادة شعبها وقوة جيشها ولو كره الكارهون.