يدور في الأذهان تساؤل مشروع نصه: ما معيار قوة الجيوش الأصيلة؟ فنجد أنفسنا نطالع الرؤى حول هذا الأمر الذي يشغل بال الجميع، ولا نرصد له إلا إجابة واحدة تشفى الصدور؛ ألا وهي أصالة المعدن والمكون، وسلامة البني، وهنا أود الإشارة إلى مكنون هذا المفهوم؛ حيث يشير إلى أن انتقاء من ينتسب للجيش يجب أن يكون لائقًا على المستوى البدني وما يرتبط من السلامة الصحية؛ نظرًا لأنه سيتلقى التدريب المكثف والشاق الذي يعد من مكونات برنامج الإعداد والتأهيل العسكري.
لكن مفهوم سلامة البني لا يقف عند حد اللياقة البدنية؛ بل يرتبط بصورة وثيقة بسلامة البنى المعرفية التي لدى مقاتل المستقبل والمدافع عن شرف العسكرية وحامل لواء الشهادة والواعي بأهمية تحقيق الانتصارات بصورها المختلفة والمستدامة، والذي يدرك ما يدور حوله من مجريات أحداث ولديه ثقافة عميقة بكافة المجالات؛ لأنه من سيشارك في وضع رؤى المستقبل المشرق ومن يقوم على تنفيذ الخطط الاستراتيجية وفق مراحلها ومستوياتها.
كما أن مفهوم سلامة البني لا ينفك عن وجدان راق يتمخض عنه شعور بالمسئولية وإحساس بقيمة الوطن ومحبة تضمر لشعب عظيم ينتمي إليه ويخلص في شرف خدمته ووطن غالي يحافظ على مقدراته ويحقق له أمنه القومي واستقراره ويمهد له طريق النهضة والإعمار، ولا يتقبل في حقه أي تجاوز بأي شكل من الأشكال.
ومن الشواهد التي تؤكد حرص الدولة ومؤسستها العسكرية على التدقيق في اختيار من يتشرف بالانتساب لمصنع الرجال، اهتمام وحرص القيادة السياسية على حضور اختبارات كشف الهيئة للطلاب المتقدمين للالتحاق بالأكاديمية العسكرية المصرية والكليات العسكرية، وهذا لم يأخذ الطابع الشكلي، بل طالع فخامة الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية مراحل المنظومة التي تبدأ بالتسجيل ونتائج الاختبارات حتى وصول الطلاب لمرحلة كشف الهيئة.
وهذا يعكس مدى الاهتمام البالغ بشأن اختيار المقاتل المصري الذي سوف يتربى في مصنع الرجال؛ حيث يكتسب المعرفة العلمية العميقة والخبرة العسكرية من الميدان؛ ليستطيع أن يصنع القرار ويتخذه من أجل أن يحقق به المهمة أو الغاية النبيلة التي تصب في مصلحة الوطن وتساهم في تهيئة المناخ الداعم لنهضته.
ونظرًا لأننا نتحدث عن ممارسات القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية التي تربى على دقة التخطيط والإعداد والتنفيذ، وتفانى في أداء الواجب ومازال يقدم التضحيات والجهود المضنية من أجل رفعة الوطن ونهضته؛ فقد شاهدنا نقاشه وحواره مع الطلاب في بعض الموضوعات التي تكشف عن العمق الثقافي وما يرتبط به من ووعي بما يجري على الساحة الإقليمية والدولية؛ حيث إن إدراك الفرد وفقه للقضايا المختلفة يتوقف على معرفته العميقة من مصادرها الموثوقة، وهذا ما أراد أن يستجليه فخامة الرئيس من قبيل البرهان والاطمئنان.
وتحرص المؤسسة العسكرية على تقديم الدعم المعنوي؛ لأن فلسفته تقوم على غاية نبيلة؛ ألا وهي تعزيز الوجدان ليستثير أفضل ما لدى الإنسان؛ ومن ثم يقدم أفضل ما لديه في الحاضر والمستقبل، ولا يتراخى عن أداء واجبه؛ حيث يفقه عظم مسئولياته ويدرك خطورة ما يؤديه من مهام.
وفي هذا السياق حرص القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية على تعزيز الروح المعنوية؛ حيث أعرب بشكل صريح عن تقديره لكافة القائمين على العمل بالمؤسسة العسكرية، وعلى ما يمتلكه الطلاب المتقدمين من معارف ثرية حول جهود الدولة وإنجازاتها وما يحيط بجهاتها الأربعة من تحديات، وفي ذلك شاهد على أن التكوين السليم لبنية المقاتل يتوجب ألا تنفك عن استثمار ما يمتلكه من طاقات لتحقيق أقصى استفادة، وهذا يضمنه التعزيز المعني المشار إليه عقب رصد الإيجابيات.
وحري بالذكر أن بنية مصنع الرجال تقوم على تربية عسكرية تتسق مع منهجية العلم والمعرفة سواءً في تطوير الأداء أو ما يتلقاه المقاتل المصري من تدريب أو ما يتعلق بقدرته على توظيف التقنيات العسكرية بصورة تتواكب مع التطور العلمي العسكري؛ ومن ثم طالب القائد العام للقوات المسلحة المصرية طلاب المؤسسة العسكرية بضرورة التسلح بالعلم والمعرفة في شتى المجالات؛ فبهما تنهض الأمم وترتقي.
وأكد القائد العام للقوات المسلحة المصرية على أن مؤسسة الشرفاء ومصنع القادة والنبلاء يكمن تماسكها وترابطها وقوتها في تحليها بالشرف والأمانة والنزاهة والعدالة؛ لذا أشار في حديثه إلى أهمية بناء الشخصية المتكاملة التي تستطيع أن تحمي وتعمر وتمهد للمستقبل وتغرس ما يطرح ثمارًا وتمد يد العون لأبناء الوطن كي يستكمل مسيرته في مناخ آمن مستقر؛ ليصبح الجيش والشعب على قلب رجل واحد.. ودي ومحبتي لوطني ولجيشنا العظيم وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر