أصبحت مجموعة بريكس أحد أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، نظرا لأرقام النمو التي باتت تحققها دول هذا التكتل مع توالي السنوات، مما جعلها محط اهتمام عديد من الدول الأخرى، التي ما فتئت ترغب في الانضمام إلى التكتل.
تشكّل دول مجموعة بريكس مجتمعة نحو 40% من مساحة العالم، ويعيش فيها أكثر من 40% من سكان الكرة الأرضية، حيث تضم أكبر 5 دول مساحة في العالم وأكثرها كثافة سكانية، وهي بذلك تهدف إلى أن تصبح قوة اقتصادية عالمية قادرة على منافسة “مجموعة السبع” (G7) التي تستحوذ على 60% من الثروة العالمية.
وهذا ما تثبته الأرقام الصادرة عن مجموعة بريكس، التي تكشف عن تفوقها لأول مرة على دول مجموعة السبع، فقد وصلت مساهمة مجموعة بريكس في الاقتصاد العالمي إلى 31.5%، بينما توقفت مساهمة مجموعة السبع عند 30.7%.
إلى جانب ذلك، تعمل مجموعة بريكس على تحقيق مجموعة من الأهداف والغايات الاقتصادية والسياسية والأمنية عبر تعزيز الأمن والسلام على مستوى العالم والتعاون الاقتصادي بين الدول الخمس، وهو ما من شأنه أن يسهم في خلق نظام اقتصادي عالمي ثنائي القطبية، عبر كسر هيمنة الغرب بزعامة أميركا بحلول عام 2050.
على الرغم من تركيز قمة قازان على القضايا الاقتصادية، ومشكلات الطاقة، ومكافحة الفقر والإرهاب، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي؛ فإنها لم تغفل عمّا تشهده الساحة العالمية من حروب وتحديات، وفي صدارتها الحرب الروسية الأوكرانية، وتصعيد ماكينة الحرب الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط. وقد تضمن البيان الختامي للقمة 134 بنداً تشمل جوانب متعددة، منها الآتي:
– ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية مثل: الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ لتصبح أكثر تمثيلاً وفعالية، مع تعزيز دور الدول النامية في اتخاذ القرارات الدولية.
– أهمية احترام مبادئ تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، والتعاون في مواجهة التحديات العالمية.
– التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وعلى الحاجة لتقديم التمويل اللازم من الدول المتقدمة للدول النامية.
– تعزيز نظام منع الانتشار النووي، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، مع الدعوة لتجديد جميع الأطراف للاتفاق النووي الإيراني.
– الموافقة المبدئية على قبول 10 دول جديدة، مع استطلاع رأي الدول الأعضاء قبل الموافقة النهائية، واستحداث فئة “الدول الشريكة”، في ظل إبداء 30 دولة اهتمامها بالانضمام إلى “بريكس”.
– تعزيز التعاون بين دول “بريكس” في المجالات الاقتصادية والمالية، وتطوير المشروعات المشتركة، وتشجيع استخدام العملات المحلية، والعمل على إنشاء بنك التنمية الجديد ليصبح بنكاً تنموياً متعدد الأطراف.
– تدشين منصة مالية جديدة هي “بريكس كلير”؛ بهدف معالجة التضخم ودعم الاقتصاد الوطني لدول التجمع، إلى جانب بورصة للحبوب، ودراسة إنشاء منصة نقل موحدة لضمان الخدمات اللوجستية المتعددة الوسائط بين بلدان التجمع.
– الإعراب عن القلق إزاء تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والدعوة إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار في قطاع غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتأييد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وانضمام دولة فلسطين المستقلة إلى الأمم المتحدة. كما أبدت الدول الأعضاء انزعاجها من الوضع في جنوب لبنان، ودعت إلى الوقف الفوري للأعمال العسكرية والحفاظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، فضلاً عن الدعوة لحل الصراع الروسي الأوكراني بالطرق السلمية.
تحظى قمة البريكس بحالة من الزخم والاهتمام الدولي والإقليمي بشكل كبير، لما تمثله من أهمية على المستوى الدولي نظرًا لحجم الدول التي يضمها التكتل في عضويته وما تشكله من قوى دولية، ومن القضايا التي طرحت بالقمة وجود عملة مشتركة أحد الموضوعات الرئيسية، ويأتي هذا التطور الذي يؤسس لنظام مالي عالمي جديد متوافقا مع موجه متزايدة للخروج من عباءة الدولار، وتحقيق نوعا من القطبية الاقتصادية، ليمثل تدشين العملة الموحدة المرتقبة عنصر قوة إضافي إلى تكتل «البريكس» الذي تفوق على مجموعة الدول الصناعية السبع اقتصاديا.
وبخلاف المزايا والفوائد التي يمكن للعملة الجديدة أن تمنحها لدول البريكس، فإن تأثيراتها المتوقعة تتجاوز الآفاق التجارية لتجمع البريكس حيث من المتوقع لأن تحدث ثورة في النظام المالي العالمي ، وتشجيع دول أخرى علي صياغة تحالفات مماثلة والتخفيف من المخاطر المرتبطة بالتقلبات العالمية، حيث تواجه عملة «البريكس «الموحدة عدد من التحديات منها الخطوات التنفيذية الضرورية كإنشاء بنك مركزي جديد وبلورة التركيبة النهائية للعملة المرتقبة بخلاف التحديات النابعة من داخل بريكس ذاتها، والخلافات التي تنهشها أو من خارجها وبناء علي العوامل والمؤشرات الاقتصادية فإن احتمالات نجاح العملة الموحدة المرتقب صدورها عن البريكس تبدو واعدة رغم أن الخطط في هذا الشأن مبكرة ,فبحسب مقياس الناتج المحلي الإجمالي تفوق دول البريكس الآن بشكل جماعي مجموعة الدول السبع الكبري مجتمعة.
تستهدف مجموعة بريكس تحقيق مجموعة من الأهداف، سواء على المستوى الأحادي أو المتعدد أو حتى على المستوى الدولي، ومن بين تلك الأهداف:
• إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر مرونة وتوازنا، يقوم على الانفتاح والتعاون المشترك وتبادل المنافع بما يحقق العدالة والإنصاف؛
• تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة، وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي؛
• توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو، عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات؛
• زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس؛
• تعزيز الأمن والسلام، من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي؛
• الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية الدولية؛
• العمل مع المجتمع الدولي للمحافظة على استقرار النظم التجارية المتعددة الأطراف، وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار؛
• تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف؛
• التنسيق والتعاون بين دول المجموعة في مجال ترشيد استخدام الطاقة، من أجل مكافحة التغيرات المناخية؛
• تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي؛
• التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم، والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.
وتشكل مجموعة بريكس أهمية كبيرة لأعضائها، وهو ما يفسر الإقبال الكبير من جانب الكثير من الدول النامية للانضمام إليها والحصول على عضويتها والاستفادة مما توفره من فرص كبيرة تعود بالنفع على الدول الأعضاء بها، ومن بين ذلك:
(1) يلعب بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة بريكس دورا بالغ الأهمية في توفير مصادر التمويل للمشروعات التنموية والاقتصادية المختلفة، وذلك من خلال تسهيل حصول الدول الأعضاء على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي واشتراطاته القاسية.
• وبنك التنمية الجديد هو بنك عالمي متعدد الأطراف، ووفقا لاتفاقية تأسيسه فإنه “يجب على البنك دعم المشروعات العامة والخاصة، من خلال القروض والضمانات والمشاركة في رأس المال والأدوات المالية الأخرى”، والتعاون مع المنظمات الدولية والكيانات المالية الأخرى، وتقديم المساعدة الفنية للمشروعات التي سيدعمها البنك.
• ويبلغ رأس المال المبدئي المصرح به للبنك مائة مليار دولار أمريكي، ويقع المقر الرئيسي للبنك في شانغهاي، الصين.
• ومن مزايا البنك، إمكانية الاعتماد على صندوق إستراتيجي لرأس المال الاحتياطي من أجل التعامل مع أزمات العملة المحتملة وأزمات السيولة القصيرة الأجل، وضمان التخصيص الفوري، من قبل البنوك المركزية لدول بريكس. والبنك أداة مهمة لتشجيع الاستثمارات في مشروعات التنمية الكبيرة، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأعضاء به.
• ويستهدف البنك تمويل مشروعات البنية التحتية، والتنمية المستدامة، في دول بريكس والبلدان النامية، ومنذ إنشائه قام بدعم مجالات مثل النقل وإمدادات المياه والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والاجتماعية والبناء المدني وغيرها.
• ويمكن للبنك أن يلعب دورا مهما، باعتباره محركا للنمو المستدام في العالم النامي والاقتصادات الناشئة، ويعزز كذلك الإصلاح في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف الموجودة، بما يعود بالنفع على الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
(2) الاستفادة من اتجاه بريكس للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأمريكي، لأن إحدى المبادرات التي تشارك فيها بريكس حاليا هي تحويل التجارة إلى عملات بديلة، سواء كانت وطنية أو إنشاء عملة مشتركة.
• يأتي هذا في إطار اتجاه مجموعة “بريكس” إلى توسيع المدفوعات غير المرتبطة بالدولار الأمريكي، حيث تسعى دول المجموعة للابتعاد عن منظومة المراسلات المصرفية “سويفت”، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، والتعامل بالعملات المحلية.
• وتتضمن خطط مجموعة بريكس، إنشاء نظام دفع دولي “بريكس باي” يستند على تقنية “سلسلة الكتلة”، أي على أساس أصول رقمية، حيث سيكون من الممكن تجاوز العقوبات والعراقيل الغربية بفضل هذه الآلية اللامركزية، التي ستتضمن عملات متعددة. وستساهم الآلية في تعزيز النفوذ الاقتصادي لمجموعة “بريكس” وتسريع ظهور عملة فوق وطنية، الأمر الذي يعد بمثابة تهديد مباشر لمكانة العملة الأمريكية.
• هذا التوجه من شأنه أيضا أن يساهم في تخفيق حدة أزمة الدولار الأمريكي التي تعاني منها بعض الدول وانخفاض قيمة العملة الوطنية فيها، مما يؤدي إلى تقليل الطلب على الدولار الأمريكي.
(3) مجموعة بريكس تسلط الأضواء أكثر على الفرص الاستثمارية والتنموية، وتخلق بيئة جاذبة للاستثمارات، وتوفر سياسات تفضيلية للدول الأعضاء في بريكس، خاصة مع وجود مصادر تمويل قوية وتوافر وفورات مالية ضخمة، وتقديم التسهيلات المختلفة، فضلا عن التعاون التكنولوجي وامتلاك الصناعات المتقدمة، الأمر الذي ينتج عنه توليد رغبة قوية للاستثمار في إطار تبادل المنافع والفوز المشترك، لا سيما في المشروعات المستقبلية مثل مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية والبنية التحتية من كبار المستثمرين العالميين ورواد الأعمال في دول بريكس.
(4) عضوية بريكس تعطي أولوية للولوج إلى الأسواق الضخمة لدول بريكس والتي يتجاوز حجمها ثلاثة مليارات مستهلك، وتقدم ميزات تنافسية للتبادل التجاري، مما قد يعالج بعض الخلل في الميزان التجاري فيما بين دول بريكس، والتعاون المشترك في تأمين الاحتياجات الملحة، مثل السلع الغذائية الضرورية، والأمصال واللقاحات، والتكنولوجيا الحديثة ومستلزمات الإنتاج وغيرها.
(5) زيادة عدد السياح المتبادل بين الدول الأعضاء، والتعاون المشترك في فتح خطوط جديدة للطيران بين المدن المختلفة، لتلبية الطلب المتزايد على حركة السياحة والسفر، والاستثمار في المجال السياحي والفندقي لإتاحة عدد غرف فندقية يتناسب مع تزايد الطلب السياحي، وتعزيز التفاهم والتقارب الإنساني والشعبي بين دول بريكس، مما يساعد على زيادة الإقبال على الأسواق السياحية المتنوعة فيها.–
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا