” …نحن من نحتل الشارع و نحن من نحرره.”
“…الشارع موطننا والكلمة كلمتنا.”
“…إنا للشارع وإنا إليه راجعون.”
“…شوارعنا ينقصها الفن وحب الوطن و وجوه مبتسمة.”
“…انزل للشارع وآ زرعه فنا وجمالا.”
… يبقى الفعل الدرامي فن جميل حامل لرسائل أجمل و يهدف لغايات أكثر جمالا مهما كانت الأساليب و الوسائل و المحامل الفنية ، إلا أن هذا الفعل سواء كان قولا بالكلمة او فعلا بالحركة فإننا الآن في زمن الصورة والصورة خطيرة في تبليغ المقاصد …
… لاحظت منذ حوالي 15 سنة تقريبا أن الأعمال الدرامية ( تلفزيون + سينما + مسرح ) بدأت تبتعد بصفة تدريجية عن هموم الناس و مشاغلهم ( الأغلبية) و إهتمت بمواضيع شاذة كما إقتربت شيئا فشيئا إلى مجال التفاهة و تمرير رسائلها المسمومة … و السعي لتعميق الخلافات الصراعات ذلك بتوسيع دائرة الشك بين الأجيال و تغييب منطقة المشترك و كل ما يجمعنا….. فعلا هذه الكارثة حسب تقديري وهذا هو الدور الخطير و المقصود في عملية التدمير الممنهج لنسيج المجتمع ولتركيبة العائلة العربية
… و من باب الخوف على أهلي و نفسي من التورط في مثل هذه الأمور تركت التلفزيون لأهله و السينما لصناعها و الخشبة لمريديها وذهبت إلى الشارع لأصنع عالمي بين الناس…
يمكن العودة للشاشة الصغيره والكبيرة والركحية أيضا لحظة إقتناعي بالعمل ومقاصده و خاصة عندما أجد فيه نفسي و مبادئي …
أما الآن فأنا سعيد بما أقوم به في شوارع بلادي وبين أهلي و ناسي وكل ذلك كان بسبب الثورة التونسية ” ثورة الياسمين ” ( 17 ديسمبر 2010 / 14 جانفي 2011 ) حين تحررت شوارعنا من القبضة الأمنية ورقابة السلطة وانتقل الشارع من مكان للزجر والمطاردة والتحقيق وتضييق الحريات إلى فضاء للإلتقاء والحوار ومناقشة الشأن العام فظهرت عديد التعبيرات الثقافية المختلفة كشكل جديد يحمل بدائل فنية وبمرور تجربة الإنتقال الديمقراطي ازدهرت فنون الشارع بشكل ملفت للإنتباه مما خلق حركية ثقافية شبابية منخرطة في نسيج المجتمع وساهمت مع بقية الحساسيات والمنظمات والجمعيات في خلق مجتمع مدني قوي ومن بين التعبيرات الثفافية نجد فنون الشارع ومن بين فنون الشارع نجد مسرح الشارع… لنتفق في البداية ان مسرح الشارع ليس وليد الثورة المجيدة ولكنه وجد عنفوانه وعافيته فيها بل ساهمت في ابرازه والتعريف به فهو جزء من المسار الثوري لانه يحمل صفاته وله بعض مواصفاته مثل النضال والمقاومة والاحتجاج والدفاع عن حقوق الانسان والمواطنة و….
في ما يخص مفهوم مسرح الشارع هناك عديد التعريفات وهي في مجملها غير دقيقة بل ناقصة رغم أن مسرح الشارع فن قديم على مستوى الممارسة إلا أنه جديد على مستوى التنظير لذلك باب البحث مازال مفتوحا امام الباحثين والخبراء والأساتذة المهتمين بمسرح الشارع.
فبعد الحسم النسبي حول وجود خلط بين مسرح الشارع والمسرح في الشارع ومحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة “هل كل ما يعرض خارج العمارة المسرحية يسمى مسرح شارع؟” “هل تجربة أوغيست بوال ومسرح المضطهدين تسمى مسرح شارع؟” “هل تجربة الڨوال لعبد القادر علولة بالجزائر تسمى مسرح شارع ؟” “هل تجربة مسرح الحلقة وعروض ساحة جامع الفناء بالمغرب تسمى مسرح شارع؟” “هل مسرح العصابات في اواسط القرن الماضي بالولايات المتحدة الامريكية يسمى مسرح شارع؟”
امام هذه الأسئلة وغيرها تختلف المفاهيم حسب المجتمعات والثقافات والحضارات وخاصة حسب الطبيعة الإجتماعية و الانظمة السياسية والتركيبة الإقتصادية لهذه المجتمعات.
…فحسب تقديرنا نعرف مسرح الشارع كالآتي:
………. ” هو فعل درامي نبيل تام يقوم به أشخاص يفعلون بواسطة فكرة واضحة وحاملة لقضية حارقة تتسم بالحينية و تنطلق من رحم الشارع لتعود إليه مستلهمة موضوعاتها من نبض الشارع ومستعملة مكوناته كعناصر درامية لتأثيث معالم العرض الشارعي…وعلى الممثل ان يتميز ب:
( الصوت ، الإلقاء،الخيال، الحضور، المرونة الفصاحة،البداهة الثقافة، الإلمام، الإرتجال، التفاعل،الفعل،ردة الفعل،الراهنية…)
…إذن فالممثل هو المؤدي الذي يقدم فكرته بشكل فجئي امام المواطنين العابرين بطريقة عشوائية متخذا من الشارع مكانا لعرض الفكرة ومجالا تفاعليا لمناقشتها كما أنه فضاء مواطني يعتمد على الديالكتيكية بين طرفي العملية التواصلية عبر الجدلية والتبادلية وتغيير المواقع (التغذية الراجعة)….
الممثل المؤدي (الطرف الاول”الباث”) والممثل المتلقي (الطرف الثاني “المتقبل”) عبر فكرة العرض (الرسالة) قصد الوصول إلى المقولة العليا (التطهير النفسي) والهدف الأسمى (التغيير الإجتماعي) “…
…فرغم كل المجهودات المبذولة في هذا المجال يبقى مسرح الشارع يكتنفه اللبس والالتباس بين الممارسين وعموم الناس…
بقلم الفنان المسرحي التونسي
الأستاذ نزار عبد الرزاق الكشو