إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) سورة الأحزاب
الله سبحانه وتعالى، الذي لا يدرك ولا يحاط به، هو الذي يصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
نحن نتحدث عن الله الذي هو خالق الكون، مالك الملك، القدوس، السلام، الذي لا يخضع لزمان أو مكان، الذي وسعت رحمته كل شيء، وعلمه لا تحده حدود، هو الذي يصلي على نبيه.
الصلاة من الله تعالى ليست كأي صلاة، بل هي تعظيم وتكريم وتقدير لنبي الله، صلى الله عليه وسلم، هي إظهار جلالته وعظمته في منح هذا التكريم الفريد لنبي الله.
وَمَلَائِكَتَهُ:
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يصلي على نبيه، فإن الملائكة، المخلوقات التي لا تفهم الخطأ ولا تتوانى في تنفيذ أمر الله، هي أيضًا تصلي عليه.
والملائكة التي هي مخلوقات نورانية لا يمكنها إلا أن تعبر عن إجلالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تتبع أوامر الله عز وجل بشكل طائع.
وهذه الصلاة من الملائكة تدل على التقدير الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم، ليس فقط على الأرض، بل في السماء أيضا، حيث الملائكة تسجد وتسبح وتؤدي أعمال عظيمة في عالم الغيب.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”
هذا الأمر الإلهي للمؤمنين بالصلاة على النبي هو ليس مجرد أمر تقليدي، بل هو دعوة للارتقاء الروحي والعاطفي.
نحن هنا أمام عظمة الأوامر، حيث أن الله الذي هو الرحمن الرحيم، ينادي عباده المؤمنين بالصلاة على أعظم خلقه، وهذا له أبعاد معنوية كبيرة. “صَلُّوا عَلَيْهِ” هي اتصال روحي مع الله ورسوله، هي دعاء له، ومحبة له، وتقدير لمقامه، و اعتراف بفضله وعظمة رسالته.
أما “وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”، فهي أشد وأعظم، لأن التسليم يتجاوز مجرد قول “السلام عليك يا رسول الله”، بل هو تسليم كامل بكمال دينه وشرعه ورسالاته. هو إقرار بشرف الرسالة وكمالها، إيمان تام به، ورغبة شديدة في اتباعه.
ـ متى بدأت الصلاة على النبي؟
بداية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله وملائكته كانت في أزمنة لا متناهية، حيث يتجاوز الزمن الذي نعيشه الآن ويتخطى حدود وجودنا.
قبل أن يخلق الإنسان، وقبل أن يرسل أي رسول، كان الوجود محكوما بإرادة الله تعالى الذي علم ما سيحدث بعد خلق السماوات والأرض، وكتب في علمه الأزلي أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
اولا. قبل خلق السماوات والأرض:
صلاة الله وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم بدأت في علم الله الأزلي.
عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين"
فهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان موجودا في مقامات القدر قبل أن تخلق السماوات والأرض، وقد بدأ هذا التكريم الإلهي له من ذلك الوقت.
الصلاة عليه من الله وملائكته كانت جزءا من خطة إلهية أزلية مرتبطة بالغاية الكبرى من الخلق: إرسال النبي محمد صلى الله عليه وسلم كرحمة للعالمين.
ثانياً . عند بداية خلق السماوات والأرض:
على الرغم من أن الصلاة على النبي كانت جزءا من تقدير الله منذ الأزل، إلا أن في لحظة خلق السماوات والأرض كان هذا الحدث بمثابة التجهيز الأكبر للحدث العظيم الذي سيحدث في المستقبل.
الملائكة كانت تسبح وتقدس الله، ومع هذه التسبيحات كان هناك الصلاة على النبي في عالم الغيب. فالله خلق السماوات والأرض، وكل شيء تم تهيئته لنزول الوحي واكتمال رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثا. مع بداية بعثته صلى الله عليه وسلم:
بعد أن أتم الله خلق الإنسان، وعاش النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بدأ الوحي ينزل عليه في سن الأربعين، وهنا جاء تكليف الله للملائكة بالصلاة على النبي.
الصلاة هنا تعني أن الله يبارك على النبي ويشرفه ويعلي مقامه في السماء. وبعد ذلك، أمر الله المؤمنين بالصلاة عليه، كدليل على التقدير والاعتراف بعظمته.
وبذلك: الصلاة على النبي بدأت جزءا من خطة إلهية منذ الأزل، واستمرت مع بدء الخلق وفي حياة النبي بعد بعثته.
فبعد أن بدأ الوحي ينزل على النبي في سن الأربعين، أمر الله الملائكة بالصلاة عليه، ثم أمر المؤمنين بالصلاة عليه أيضا كدليل على تقديرهم واعترافهم بعظمته.
ـ “لماذا قال الله تعالي ‘النبي’ وليس ‘الرسول’ في الصلاة عليه؟”
في الآية الكريمة “إن الله وملائكته يصلون على النبي”، وردت كلمة “النبي” وليس “الرسول”.
والسبب في ذلك يعود إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام النبوة منذ الأزل، قبل أن يرسل برسالة الإسلام إلى الناس.
بهذا الشكل، يبرز الحديث عن عظمة النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه الأولي قبل الرسالة، مما يعكس تكريمه الكبير في مشيئة الله.
ـ “هل صلاة الله وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلاة المؤمنين”؟
اولا. صلاة الله وملائكته على النبي:
صلاة الله على النبي صلى الله عليه وسلم هي تكريم وتعظيم، لا يمكننا تشبيهها بما نقوم به من صلوات.
الله سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى الصلاة بشكل بشري أو جسدي، ولكن الصلاة هنا بمعنى التقدير والتبجيل، وهي دعاء من الله سبحانه وتعالى لزيادة فضله ورفعته في المقامات السماوية.
هذا النوع من الصلاة يخص الله وحده ويعكس مكانة النبي الخاصة عند الله.
أما الملائكة، فإن صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم هي أيضا دعاء وتقدير، حيث يتوجهون بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى لرفع مقام النبي، وزيادة فضله، والبركة عليه وعلى أمته.
ثانيا. صلاة المؤمنين على النبي:
أما بالنسبة للمؤمنين، فصلاة المسلم على النبي صلى الله عليه وسلم تتلخص في الدعاء له بالسلام والتبريك، أي قول: “اللهم صل وسلم على محمد”. هذه الصلاة هي تعبير من المؤمنين عن محبتهم واتباعهم للنبي، وتكريم له.
عندما نصلي على النبي، فإننا نتبع أمر الله في الآية ونطلب له من الله مزيدا من البركة، المغفرة، والمقام الرفيع.
"باختصار":
صلاة الله على النبي هي تقدير وتعظيم ورفع مقامه.
صلاة الملائكة هي دعاء للتبجيل والنصرة للنبي.
صلاة المؤمنين هي دعاء بالسلام والبركة والاعتراف بمقامه.
الاختلاف بين هذه الأنواع من الصلاة واضح، حيث أن صلاة الله هي تكريم فريد، بينما صلاة المؤمنين هي نوع من التقدير والدعاء.
هذا والله اعلى واعلم