أما بعد..
وسلام على ذلك الجرح..
الذي يستهلك عمرا ليغفو..
ويحتسي يدا، وألف طبطبة لينام..
لا ترضيه هدهدة ضماد..
ولا تقنعه مواساة بلسم..
ثم فجأة.. توقظه كلمة..
يليه..
مؤذٍ، ذلك الشعور الذي يغرس بداخلك ألف وتد ليخيَّم الحزن..
يقص الحكايا على قلبك..يا..طفله الصغير..
انطفاء الريح.. وفزاعات الحقول.. وذلك الفأس الذي يجتث أمه الشجرة.. ليمنح الأرض ثوبا جديدا..
يحدثك عن رحيل البلاد.. ونبوءة الملح.. وعشق الدلو للسقوط..
وعن.. شكوى المآذن.. من ذلك الفجر الهارب..
يمد لك البساط.. والبلاط.. والسم والخياط.. لترقع قميص الظل حين يحمله الغياب..
آخر بشارة يتصدق بها الرماد.. على الرماد..
فتصطنع النسيان كذبا.. ليكف..
أو يجف عَرقُ الذاكرة..
فلا هذا يجدي ولا ذاك.. وكلاهما على ملة الفشل..
مؤذ، ذلك الشعور الذي يؤرخ للوجع..
منذ أن كانت الطعنة عربونا للفراق..
منذ أن اخترعوا مرارة العلقم بديلا عن الفشل في وصف الخسارات..
منذ أن اخترعوا كذبة الحقائب، والأعذار، واليد التي تلوح للسراب في الأفق البعيد..
وحتى آخر ما يمكن أن يصل إليه خنجر الرحيل في الأعماق..
لتستقبل يداك هزائم الوعود.. كأنها تميمة تحرس الدموع..
وتصنع لك غرقا..
مصحوبا بتنهيدة أخيرة.. على سبيل الاستسلام..
تغرقك حكمة قلبك الممدود بين اليقين والشك..
وينقذك جنون المسافة التي تفصل بين الحقيقة والوهم بمقدار غضب ولهفتين.. وحماقتين.. وغباوتين.. وألف خيبة..
فتوثق مثالية انكساراتك، بتلك الصور المصلوبة على جدران الحياة..
وتطلِّق حلمك الضائع.. ليخرج مهزوما..
من جثتك التي تطفو في الهواء..
منذ أول ميلاد..
حتى آخر موت.. حين تطعنك وردة.. ويواسيك نصل..
فتطوي تلك الورقة التي رسمت عليها خطة النجاة من ال..
نجاة..
وتنحني.. ليلتقطك الموت من براثن الأيام..
فتشكره مرتين..
واحدة لأجلك..
والأخرى لأجل أولئك الذين تعبوا من طول المسافة.. وبذل الجهد.. وميل الأكتاف المصنوعة من خطأ التأويل..
ياااه لك.. كيف رأيت الضوء في وجوه أولئك الذين أقنعتُهم مظلمة جدا.. منذ أول شمس..
حتى آخر أفول..
أولئك الذين جرحوك.. فنزفتهم..
ثم نزفتهم..
ثم لما كان آخر هطول..
….لم يبق شيء في العروق لتنزفك.
يليه..
محظوظ أنت..
فكل الذين هربوا إلى الموت قبلك..
لم يعلموا بأن الحياة كانت..
مجرد فخ..
وكل الذين ذهبوا إلى الموت قبلك..
كانت تصحبهم الدموع..
والمناديل المبللة بالبكاءات..
أما أنت..
فتذهب إليه مصحوبا بضحكة..
وباقة ورد..
وبعض التمتمات..
أيها السادة.. شكرا..
إلى هنا.. انتهت الرحلة..
أخبروا الطرقات خلفنا.. أننا جد آسفون..
فكم أرهقناها..
حين حاولنا تجنب الأخطاء..
فكان أن تناولنا الخطايا..
منذ أول توبة.. حتى آااخر إخفاق..
أيها السادة..
إن اللطمة التي يوجهها البحر للشاطئ، أثمن ما يمكن أن يحصل عليه.. قبل أن يعلق أثواب رجاءاته المبللة بالشفقة على حبل الذريعة كل ليلة..
منتظرا ذلك الصبح الذي يرفع إلية مظلمته، مشفوعة بالكثير من الصمت..
صمت العجز المطلق..
أو صمت الترفع..
وربما.. صمت اليأس..
حتى آااخر فاجعة..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..