إن المال العام هو شريان الحكم والإدارة ، وحمايته ترتبط بحماية حقوق المواطنين ومنها المساواة وتكافؤ الفرص ، وتعد الأحكام الخاصة به من أهم ضمانات العدالة الاجتماعية وسبيلاً من سبل تحقيق التنمية المتوازنة . تعد ظاهرة الفساد من اقدم الظواهر الاجتماعية التي ظهرة في المجتمعات ,وقد ارتبط ظهورها بظهور أنظمة الحكم بمختلف اشكالها ,ولم يقتصر الفساد على نظام معين و لا شعب محدد دون غيره, فهي ظاهرة عالمية غاية في الخطورة تهدد اقتصاديات الدول , وتعمل على إضعافها وهذا ينعكس سلبا على الاخلاقيات و القيم المبنية أساسا على المساواة والعدالة و هذا بطبيعة الحال يؤدي الى زعزعة الثقة العامة و تهديد الأمن الاجتماعي و الاستقرار السياسي و ينعكس هذا على الرخاء الاقتصادي و يتسبب في اضعاف الثقة بين الحاكم و المحكوم و أيضا الثقة بين الأفراد فيما بينهم .
وبما أن المال العام هو المال الذي يكون مخصصاً لمنفعة عامة ويهدف إلي تحقيق مصلحة عامة ، وتتم الاستفادة منه من قبل كافة المواطنين سواء كانت تلك الاستفادة مباشرة كاستعمال الطرق والأرصفة في المرور ، والتردد علي المنتزهات والحدائق والشواطئ للترفيه أو بصورة غير مباشرة ويكون ذلك عند تخصيص المال العام لإدارة مرفق عام كاستعمال مدرجات الجامعات وفصول الدراسة ووسائل النقل العام ويقتضي ذلك الاستعمال للأموال العامة
إن ممتلكات الدولة في كل صورها و أشكالها هى أمانة عند المسئولين عنها و القائمين على تشغيلها و تخزينها , و عليهم الحفاظ عليها و اختيار الأكفاء لإدارتها بالعلم و الخبرة , و إجراء الصيانة الدورية اللازمة لها في موعدها, وذلك لتعطى أكبر عائد بأقل تكلفة و حفاظاً عليها من التلف أو سرعة الاستهلاك و ما يمثله ذلك من إهدار للمال العام و خيانة للأمانة و مخالفة للشرع (و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون )- و الكل في ذلك مسئول – الكبير و الصغير لقوله صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته )0تعرف الجريمة الاقتصادية بأنها (كل عمل أو امتناع يقع مخالفا للقانون الاقتصادي إذا نص على تجريم ذلك العمل او الامتناع، حيث يدخل في القانون الاقتصادي كل نص ينظم انتاج أو توزيع أو استهلاك السلع والخدمات).
كما تعرف الجريمة الاقتصادية بأنها (مخالفة القوانين واللوائح المعمول بها في بلد ما والمقصود منها حماية الاقتصاد القومي بأوسع معانيه أو اي عمل او امتناع عنه يؤثر بدوره في كيان البلد الاقتصادي.
إذ ان العقوبات الجنائية تحول دون الاعتداء على المال العام ، كما ان توقيعه حال وقوع الجريمة يحقق الحماية بالزام الجاني بدفع قيمة المال العام الذي استولي عليه أو أتلفه ، إلى جانب ردع من يفكر في ارتكاب جريمة مماثلة ، ولذلك تضمنت التشريعات المصرية العقابية تجريماً للعديد من صور الاعتداء علي المال العام كالاختلاس ، والاستيلاء بدون وجه حق ، والتربح ، بالإضافة إلي الجرائم التي تلحق ضرراً بأموال الدولة سواء كانت بشكل عمدي أو بشكل غير عمدي مثل جرائم الإتلاف والتخريب والفساد الإداري إذا عم المؤسسات الحكومية، فإن ذلك لا يبيح الاعتداء على المال العام، وحقوق المجتمع فيه،
وبناء عليه، فما أخذه ذلك الرجل بغير حق يلزمه التحلل منه برده إلى الجهة التي أخذه منها، فإن تعذر ذلك بسبب سوء تصرفها وفسادها تصدق بقيمته على الفقراء والمساكين، أو صرفه في المصالح العامة للمسلمين كالمدارس، والمستشفيات، والطرق ونحوها. يعتبر الاعتداء على المال العام كونه الركيزة الأهم في نمو دولة اقتصادية متقدمة، وأن حرمة المال العام أشد حرمة من المال الخاص لما له من ضرر يعود على المجتمع ككل.
أن الاعتداء على حرمة المال العام هو اعتداء على حق الدولة وعلى حقّ كل المواطنين، لأن المال العام تديره الدولة لصالح المواطنين. هل يجوز للموظف استخدام الأجهزة والأدوات الخاصة بالإدارة في أموره الشخصية، فمثلا يصور بطاقته المدنية من جهاز التصوير التابع للإدارة، أو يطبع كتاباً خاصاً به على جهاز الحاسب الآلي، أو يستخدم الأقلام والدبابيس لأغراضه الشخصية الخارجة عن نطاق عمله وغيرها مما يقاس عليها، كذلك إذا ما طلب أي شخص مار بالإدارة تصوير ورقة أو اثنتين غير متعلقة بعمل الإدارة؟
وهل للمسؤول أن يسمح للموظف بذلك، ولو في حدود ضيقة، سواء استفاد منها الموظف أو الشخص المار بالإدارة؟ هذا السؤال عرض على لجنة الأمور العامة في هيئة الفتوى بوزارة الأوقاف، وقد أجابت اللجنة بالتالي: لا يجوز لأي موظف في الدولة أن يستخدم الأجهزة والأثاث ووسائل النقل وغيرها المملوكة للدولة لمصالح خاصة له لا تتعلق بمستلزمات عمله، إلا إذا كانت أنظمة الدولة تسمح بذلك، أو كان الاستخدام قليلاً مأذوناً به ومعتاداً في العرف، فإذا استخدم الموظف هذه الأشياء المملوكة للدولة لمصالحه الخاصة دون أن تسمح به الأنظمة أو يقتضيه العرف، فإنه يضمن للدولة مقدار ما استهلكه من أجهزتها. والله أعلم.
الإسلام الحنيف جاء برؤية شاملة ومتكاملة لحماية المال العام من كافة صور الاعتداء عليه، وجاء في إطار هذه الرؤية تحريم الإسلام للسرقة، وهي محرمة لأنها تمثل أحد صور أكل أموال الناس أو الأموال العامة بالباطل، وكذلك تحريم الإسلام للاختلاس، ويقصد به استيلاء العاملين والموظفين ومن في حكمهم في مكان عملهم على ما بأيديهم من أموال ونحوها سواء كانت نقدية أو عينية من دون سند شرعي.
: في إطار الرؤية الشاملة والمتكاملة التي وضعها الإسلام لحماية المال العام، جاء تحريم خيانة الأمانة، وتحريم إتلاف المال سواء العام أو الخاص، والحض على إتقان العمل، وتحريم التهرب من أداء حقوق المجتمع المالية مثل الضرائب، وتحريم منح هدايا للعمال والموظفين على سبيل الرشوة لقضاء مصلحة ما، فضلا عن حرمة التربح من الوظيفة، والذي يعد سحتاً وغلولاً. السرقة من الغنيمة أكد د. خالد بدير، أن سلب القليل من المال العام ولو كان مخيطاً أو ما في قيمته يفضح العبد يوم القيامة ويذهب بحسناته، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يعظ أصحابه، مبينا لهم خطورة الغلول والسرقة من الغنيمة،
والتي تعد بمثابة المال العام الذي ينبغي أن يُحفظ من قبل أفراده، ومن صور الاعتداء على المال العام الرشوة، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: «استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد على الصدقة، فلما قَدم، قال: هذا لكم وهذا أُهدي إلىِّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أُمه، فينظر يهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئاِ إلاَّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقَبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر»، ثم رفع يده، حتى رأْينا عفرة إبطيه وقال: «اللهم هل بلغت» ثلاثاً.
كما أن الدول المعاصرة تحرص على ضبط مواردها كي تنفق منها على المشاريع التنموية؛ ولهذا ازدادت أهمية التخطيط، وبخاصة في مجال الواردات والمصروفات، كما قامت الدول بسن تشريعات للمحافظة على وارداتها، وللمحافظة على ممتلكاتها.