حير أنموذج لإدماج رائع لمسرح الطفل والمسرح الشعبي لثراء الصورة المسرحية ( سينوغرافيا) العرض بالاستعانة بثلاث مقالات نقدية ل(نهلة إيهاب وفدوى عطية وناصر العزبي).
المسرح الشعبي
يرتبط عامة في الأذهان على أنه:
– شكل من أشكال المسرح روافده ثقافة مجتمع معين من قيم وعادات وتقاليد ، يروي القصص التي تنتقل من جيل إلى جيل مستهدفا أعلى درجات الجذب الجماهيري ، المؤدى بلغة عامية دارجة الحوار في عفوية وبساطة ، قريبة من واقعه ، وقد تتضمن قصصا خيالية ، يقدم في شكل كلاسيكي مونودراما أو دراما على مسرح مجهز ، أو في أماكن طبيعية غير احترافية ، يتميز المسرح الشعبي بتضمنه جماليات الصورة المسرحية ( السينوغرافيا) من صوامت و نواطق وحركات أو سمعي بصري حركية ، بما تحتويه من الموسيقى والأغاني التراثية والرقص والمجموعات والأزياء الشعبية ، خيال الظِّلِّ – الأراجوز – صُندوقُ الدنيا ،لتستثير جاذبة حواس الجمهور عامة واهتماماته بغية إحداث تفاعلية فكرية إيجابية لتوصيل رسالة معينة من خلال متعة فكرية وفنية تربط ماضيه بحاضره من خلال موضوعات يألفها بسهولة إذ أنها من صميم بيئته وتراثه الثقافي .
العروض متاحة بصورة مجانية خاصة في الأماكن المفتوحة أو ما يطلق عليها الفضاءات غير التقليدية ،يتحقق فيها تفاعل عاطفي وإيقاع ساخن مشوق جذاب إذ يتناول تيمة ذات شخصيات مألوفة (فكرة مركزية للعرض)فيها المزيج الثقافي الذي يقدم مفردات وموروثات خاصة بشعب ما ككل أو فصيل معين من الشعب يطلق عليها مسرحية شعبية وتنقسم إلى قسمين حسب مكان وتقنيات عرضها ،منها ما يعرض غالبا على المسرح (التقليدي)ومنها ما يعرض في الشارع أو الساحات أو الفضاءات غير التقليدية يتم فيها مسرحة المكان وتوظيف مناظره الطبيعية ،بين أنهما يشتركان في معظم أحوالهما على محاولة المسرح الملحمي البريشتي ،السارد، تكسير الجدار الرابع حيث يتواصل الممثلون والجمهور ،بيد أن تلك الطريقة لها حدودها الآمنة حين تؤدي على خشبة المسرح ،ولكنها تفتقد هذا في العروض المفتوحة مما قد يتسبب فى انفراط عقد العرض .
ولقد وجدت ضالتي في عرض حلم حلاوة لمسرح الطفل فكرة وإخراج مي مهاب تأليف ياسر أبو العينين ، ولذلك للظروف التي صاحبت العرض من عرضه على مسرح متروبول ، ثم عرضه بنجاح عرضا مجانيا للجمهور بقصر الأمير طاز كفضاء مسرحي غير تقليدي ، لذا تتبعت الكتابات النقدية عن العرض بغية دراسة ما جاء فيها ، وسر نجاح العرض.
نهلة إيهاب” الحلم حلاوة “..رؤية فنية مختلفة من وحي المسرح الشعبي.
مقالها المنشور في مجلة نقد في نقد
تحقق للعرض تطابق ينم عن فهم عميق للمسرح الشعبي وذلك حين يلجأ الفنان المصري إلى الأشكال الشعبية المسرحية عندما تتداعى له الحياة بهمومها، سواء ارتد إلى الماضي أو ناقش قضية حياتية ؛ فحين تتجه الأنظار إلى التاريخ ، لا تعود إليه لمجرد العودة أو لمجرد سرده في صورة تعليمية ؛ فيقينًا لا بد وأن تحمل رسالة العمل الفني ما يربط بين اللحظتين التاريخيتين: الماضية والحاضرة .
العرضً موجه للأطفال بشكل مباشر ، ملهم وممتع للكبار ؛ إذ استلهم كلا من المؤلف والمخرجة الكثير من عناصر الفرجة الشعبية، وبعض السمات التي توضح بجلاء في الأشكال الشعبية المسرحية ولاسيما مسرح السامر ، فجاءت جميعها متداخلة في رؤية جمالية جديدة مستمدة من التراث المصري .
الفكرة المركزية للعرض ( التيمة) تدور فكرة العرض حول عروسة المولد والفارس الهمام ؛ من خلال حدوتة غير تقليدية تنسجها بالخيال والحلم الطفلة ” هالة” التي تريد اقتناء عروسة المولد لكنها لا تملك ثمنها ، ومن ثَم تنقل المُتلقي ” المُشاهد ” معها إلى العصر ” الفاطمي” حيث تقع معظم أحداث العرض في تلك الفترة ، وفي انسجام تام مع طبيعة المكان المقدم خلاله العرض وهو قصر ” الأمير طاز” ؛ تأخدنا المخرجة ” مي مهاب ” في جولة متنقلة داخل أروقة ” القصر” وبمصاحبة الممثلين ، فتجعل المتفرج هنا جزء من العمل، وطبيعة المكان ؛ مُشارك فعال في كل أحداث “العرض” المسرحي ، في حالة من متعة المُشاهدة ، مرح اللعبة ” المسرحية” ، ودهشة التجربة والرحلة ، من خلال نص متعدد المستويات الحوارية مكن المؤلف “ياسر أبو العينين” من طرح العديد من القضايا الاجتماعية : الحق ، الخير ، العدالة ، والحلم … بشكل مكثف ، وبسيط يتناسب مع عقلية الأطفال ويحترم عقلية الكبار ، كما قدم باقة من الوصايا المعرفية القيمة من خلال لغة الحوار الدارج بين شخصيات العمل بعضها البعض، فالمؤلف هنا ينهي مسرحيته بالعودة مرة أخرى إلى لحظة “الانطلاق” ولعله لجأ إلى فكرة “الحلم ” كوسيلة يعمق من خلالها رؤيته العقلانية وأيضًا كوسيلة للعبته المسرحية ومن ثم فإن الشكل الشعبي يدخل هنا أيضًا داخل طيات العمل الفني ولا ينفصل عنه.
سينوغرافيا العرض” تطويع لحركة فن العمارة داخل ” أروقة القصر”
نجحت المخرجة المتميزة ” مي مهاب ” في تقديم رؤية بصرية ماتعة للطفل من خلال سينوغرافيا العرض المسرحي فقد جاء الديكور لـ” د. فخري العزازي ” بسيط ، وسلس يبرز عمق المكان “قصر الأمير طاز” بشكل مميز ؛ وكذلك الإضاءة لـ ” أبو بكر الشريف ” جاءت معبرة ؛ تمزج بين الإضاءة الصاخبة الحادة و الهادئة الشاعرية في الكثير من المشاهد وذلك طبقًا لاختلاف وتنوع المواقف الدرامية .
كما تعتبر سينوغرافيا العرض ” فن متكامل في عناصره يقوم علي نقل المجرد وتحويله إلي واقع عن طريق التجسيد وإعادة خلق”الفضاء” من خلال تجسيد النص المسرحي داخل رؤية تتشابك فيها الفنون التشكيلية مع الفنون المسرحية؛ ومن ثَم فهي تعتبر عملية تطويع لحركة فن العمارة والمناظر بقصر” الأمير طاز” بالتناغم مع العلاقات السمعية البصرية والحركية للعمل المسرحي .
أما بالنسبة للملابس المسرحية بألوانها المبهجة وتصميم العرائس لـ “فخري العزازي ” أيضًا ؛ فقد كانا بمثابة العتبات الدرامية الأولي للدخول بسلاسة لجوهر وروح العرض المسرحي المُقدم خصيصًا للأطفال ؛ مما يدفع الطفل للاندماج التام والتوحد التلقائي مع الشخصية الدرامية .
كما ساعدت الاستعراضات لـ ” مصطفى حجاج ” والحركة المسرحية للمخرجة ” مي مهاب ” في خلق حالة من التفاعل الحي والمباشر مع الأطفال ، كما اختصرت الكثير من الجمل الحوارية والمواقف الدرامية حتى لا يشعر الطفل بلحظات ملل أو ضجر أثناء المُشاهدة ؛ ولكي تتجب ” المخرجة ” اللغة الخطابية المباشرة في الحوار ؛ كما كانت طريقة للتحايل على طبيعة مكان ” العرض” التي حتمت بوقوف الجمهور الذي يصاحبه الأطفال طول مدة ” العرض المسرحي” .
وشكلت أشعار العرض لـ”طارق علي” ، وموسيقي “د .هاني عبد الناصر” بالإضافة إلى “أغنية العاشقين” كلمات “ياسر أبو العينين ” حالة من الترابط الهارموني والتفاعل الشعوري بين جميع أجزاء العرض .
أداء تمثيلي مفعم بالطاقة والحضور المسرحي أداء تمثيلي مفعم بالطاقة والحضور المسرحي ،حيث نجحت المخرجة في اختيار متقن وتوزيع الأدوار على الممثلين، خلق ثنائيات درامية قوية ومميزة تعطي للمتلقي حالة من البهجة والمتعة أثناء المُشاهدة ؛ قدمها “بالتبادل الثنائي” كل من : ” أحمد صبري غباشي” في دور ” الفارس ” ، إسراء أحمد في دور” حلاوة “، رودنيا سامح في دور “هالة” ؛ حيث قدموا الشخصية ” الدرامية ” بشكل مُتقن شكلًا ومضمونًا ، بحرفة واحترافية مسرحية شديدة.
وقد جاء الأداء التمثيلي لكل من : ( مجدي عبد الحليم ” رئيس العصابة ” ، خوليو ” الخليفة” ، إكرامي ” البساسيري”، دعاء حسام الدين ” أم عدنان ” ، خالد نجيب ” الجمالي” ، سامر المنياوي ” بائع الحلوى ” ، أحمد يحيي” ريحان ” ، محمد شلقامي” معيط” سيف ايمن ” زعيط” ، هاني سمير ” جعلص” ، ممدوح سالم ” مرجان” ، ياسمين علاء ” زمردة ” علي عماد ” عدنان” عمر الرفاعي ” الحارس ” )؛ مفعم بالطاقة التمثيلية والحضور المسرحي .
كما قدمت ” مي مهاب” مجموعة من الأطفال الواعدين وهم “أسامة محمد ، محمد هاشم ، زياد محمد، بسملة السيد ، أسيل محمد ، ريماس وليد” .
هكذا قدم العرض المسرحي ” الحلم حلاوة ” تأليف “ياسر أبو العينين” ، فكرة وإخراج “مي مهاب ” بقصر ” الأمير طاز” عرضًا مسرحيًا متفردًا يؤكد لنا عدم انحصار استلهام الشكل الشعبي في “المسرح المصري” علي شكل بعينه بل تنوعت الأشكال الشعبية داخل الأعمال” الفنية” الإبداعية في وقتنا الحالي لتثبت الفرضية القائلة بأنه لا يمكننا نسيان الماضي… لاسيما الأشكال المدعوة بالشعبية والتي منحت الإنسان بشكل “عام ” المتعة والتعلم وغيرهما من وظائف المسرح المتعددة.
لناقدة والفنانة التشكيلية ومهندسة الديكور فدوى عطية
أحلام الغلابة و عروسة حلاوة المولد في قصر الأمير طاز
من المقال المنشور في جريدة الثقافة الجديدة
مسرح الطفل عالم الإبهار و الجمال و الخيال، متفرد بعناصره المختلفة والمتميزة دائما، يجمع فنونا مختلفة مثل خيال الظل ،الأراجوز، عرائس الماريونيت ،عرائس القفاز ، الدمى ، والعنصر البشري من الممثلين والممثلات على حالهم أو يرتدون ملابس خاصة بالدمى وهي مات عرف بالماسكات)، أو ارتداء ملابس مميزة بإكسسوارات تعبر عن الحالة المسرحية التي أبدعها المخرج من نص متكامل ذي حبكة مميزة وبناء درامي في ظل من إيقاع ساخن جذاب للجمهور ، يصاغ بفن الفرجة المسرحية.
الكتابة لمسرح الطفل حالة مميزة ومن أصعب أنواع الكتابة ، وكذلك مسرحته حين يتحول النص لعمل مسرحي متكامل على المسرح
(الحلم حلاوة) عرض على مسرح المتروبول “مسرح علبة إيطالي”،ثم عرض في قصر الأمير طاز ذي الطراز الإسلامي بردهاته، والارتفاعات العالية والأحجار والأسوار التي بني منها ، ما يضفي حالة من الاستمتاع والتأمل ذات رونق خاص يعزز جماليات عناصر سينوغرافيا(صورة مسرحية) حيث تتكامل الملابس والمناظر المسرحية والديكور والإضاءة والأداء التمثيلي والإخراج مع المناظر المسرحية الطبيعية للقصر .
العرض المسرحي فكرة المخرجة العرض مي مهاب تأليف ياسر أبو العينين دمج بين اللغة العربية واللهجة العامية المصرية ليصل للأطفال والكبار بسلاسة ،وقد استلهم من تراثنا عروسة المولد النبوي ،وجعلها محور الأحداث وسمى العرض باسمها ،وقد اعتمدت المخرجة في رؤيتها الاخراجية على تجسيد المشاهد المسرحية بسلاسة وسرعة لجذب الأطفال، ليتفاعلوا واقفين متابعين بصدق وشغف فصاروا جزءا من حالة العرض المسرحي ، مما أحدث تفاعلا ذا مردود قوي على أداء الممثلين وإيقاع أدائهم ،وإيقاع العرض ككل ، إذ دمج بين مسرح السامر بفنونه أو المسرح الشعبي من خلال مدة زمنية( ساعة ونصف) فيها المشاهد المتباينة المختلفة .
المشهد الأول
بدأ باستعراضات الدفوف معبرة وحالة المولد النبوي ورقص الأطفال الذين يلتفون حول بائع الحلوى
(سامر المنياوي )بائع عروسة المولد الذي يرتدي ملابس بيضاء فيها دوائر ملونة وطاقية بيضاء فيها ألوان مختلفة أقرب لطرطور متوسط ، يرقصون حوله ويطلبون شراءها منه بالمال والدفاع والرقص حوله يذكرنا بحالة المولد ومافيه حيث في هذا المشهد نرى الديكور موتيفات مبنية منها مرجيحة المولد تتوسط المشهد المسرحي في مركزية للتأكيد على دلالة هذا المشهد، وأيضا كذلك في الخلفية يمين مرجيحة المولد مكان عرائس المولد ، ومن الشمال مرجيحة المولد أيضا كلهم في تناغم مع الاستعراض ،وهنا يجري الأطفال بعد هذه الاستعراض، لشراء عروسة المولد فيقوم بائع الحلوى بالبيع لهم بالمال، ويرفض إعطاء الأطفال العروسة لمن ليس معهم مال ،تأتي الطفلة رودينا سامح (بطلة المسرحية) لتأخذ منه الحلوى ولكن ليس معها مال فيتخانق معها بائع الحلوى حتى تقع على الأرض ومن هناينطلق العرض المسرحي ،وتقع على الأرض في بؤرة إضاءة بيضاء عليها ، تأتي لها عروسة الحلاوة هالة(إسراء حامد) ، وترقص معها ومعها راقصتين كلهن يرتدين ملابس عروسات المولد بألوانها الأحمر والأخضر والذهبي باستعراض يعبر عن عشق الطفلة للعروسة المولد وأغنية لحنها جذاب و مميزة بينهما ذات موسيقى جذابة للأطفال ، ويحدث حوار بينهما يتبادلان فيه الأدوار الطفلة تتقمص روح عروسة المولد تصبح حلاوة وعروسة المولد تتحول لهالة ، وبعدها تنتقل إلى مكان آخر داخل قصر الأمير طاز أمام البانوه لفترة زمنية في الزمن الماضي ليست محددة في فانتازيا تعبر عن أحلام الطفلة التي أصبحت حلاوة نعيش معها هنا حالة القصر الملكي ماتراه من جمال أمامها حيث تنبهر بمافيه.
المشهد الثاني
مشهد السوق والشارع والطعام في خلفية المشهد، يوجد بانوه من الخشب به الدكاكين والمحلات وشبابيك المشربية في أعلاه معبرا عن السوق، حيث يظهر عم مرجان بائع الفواكه عم مرجان(ممدوح سالم)ويحمل صينية فيها الفواكه والحلوى يقدمها للأطفال ،ويدور حوله الأطفال في حلقة دائرية في استعراض سريع بأغنية و تجري وراءه الطفلة على هيئة حلاوة لتأخذ منه فاكهة وحلوه ثم تتجه لبائع الفخار (عمرالرفاعي) الذي يصنع الفخار والأواني ،تقترب وتشاهد مايفعله بحب وفي هذا المشهد تأكيد على صناعة الفخار والقلل الفخارية،في وسط المكان أمام البانوه.
المشهد الثالث
إضاءة على البانوه مباشرة وهي ماتعرف الانارةالبيضاء الكاملة كليا على البانوه، ويمسك الناس بابن عطية النجاروالذي يظهر بملابسه البسيطة دليل فقره ،ويظهر في لحظة امساكه بطل المسرحية فارس
(أحمد صبري غباشي ) بملابسه المميزة من سروال اسود وعمامة ملفوفة لفة الفرسان النبلاء وقميص أبيض ويعاتب الطفل لماذا سرقت ؟ فيرد الطفل (أسامة محمد) قائلا: سرقتها لأنه لايوجد طعام ولامال في منزلي انا ابن عطية النجار وهو مريض الآن فيرد عليه عم مرجان وفارس في نفس اللحظة نحن مقصرين معه فعلا والدنيا غلاء ، فيخبره فارس بعد أن ينحني بجانبه مؤنبا إياه بهدوء اوعدني لن تسرق مرة أخرى الرجال في الشدائد يصبحون كبارا والشدة تجعلهم رجالا شجعانا لهم قيمتهم، فالرجال فعلا لايسرقون أبدا من خلال هذا الحوار فيه الاحتفاظ بالأخلاق وعدم السرقة تحت أي مسمى حتى لو اشتد الغلاء، ويعطيه فارس مالا ويعطيه عم مرجان طعاما فيجري الطفل فرحا ،تنظر إليهم من بعيد الطفلة بإعجاب،يقترب منها في البطل فارس المغوار يسألها هل تحتاج لمساعدة ترد عليه الطفلة :لا ،يخرج فارس من خلفها متجها لباب من أبواب القصر في استغلال وتوظيف فضاءات القصر وأبوابه المنحرفة من الأعلى على شكل القباب )التي تكون على هيئة نصف دائرة،ليأتي عم ريحان الجنايني (أحمد يحيى)بقميص أخضر وبنطلون بني تعبيرا عن مهنته ومعه ابنه عدنان (علي عماد) ويخبر الطفلة ماذا حدث لك يابنتي أخبرته أنها تاهت فيخبرها أنه سيأخذها لمنزله.
المشهد الرابع
ركن من أركان القصر الأمير طاز حيث الزرع والخضرة في أصيص الزرع فيخبرها عم ريحان
(احمد يحيى) عن مهنته وأنه جنايني ،ثم يخبرها ومعه ابنه عدنان أنهما سيتجهان لمنزله.
المشهد الخامس
حيث يدخل على زوجته (زوجة ريحان) التي تقوم بدورها (دعاء حسام الدين) وذات رداء أخضر فاتح وطرحة خضراء ،وفي طرف الطرحة لونا أصفر بسيط وحزام أصفر ومعها أبناؤهما فتصرخ زوجته قائلة: انت تزوجت علي وهذه ابنتك وانجبتها يرد عليها :تزوجت وأنجبتها وكبرت أمامك الآن بسخرية وجدت تلك الفتاة لوحدها، فدعوتها للبيت الليلة وسطنا فترد عليه أهلا بها فيخبرها أحضري الطعام لنأكل كلنا فتحضر الطعام ويجلسون على الأرض حول صينية واحدة تعبيرا عن الأسرة الواحدة وتنطلق أغنية دفا دفا وهي تقف خلف الأسرة ويدعونها للأكل معهم ،فيضمها كل أفراد أسرة الجنايني ريحان بحب وسعادة تعبيراعن الحب كما يسمونها باللهجةالعاميةالمصرية (لمة العيلة) ،ويتحرك الجمهور داخل القصر منتقلا من من الفناء الخارجي للقصر للبهو الآخر ،حيث كان مدخل الممر تم استغلاله والإضاءة كانت مباشرة وبيضاءوكما قلت سابقا إنارة كلية.
المشهد السادس
مميز معبر عن الشعب والحاكم الذي يعبر عن تغيير الأحداث ، الخليفة(محمد خليل) خوليو وبملابس بيضاء وفيها الأسود والأحمر وعمامة مميزة فيها اللون الأبيض وخط اسود تعبيرا عن مصر و يجلس على كرسي العرش معتزا بكينونته، و عن يمينه وزير الجند بملابس مميزة باللونين الأخضر الغامق والفاتح في البنطلون مع البني بالصديري ، ورئيس الوزراء (اكرامي وزيري)وبملابس معبرة مكونة بني وقميص ذو لون أزرق من درجات اللون الازرق معه اللون الرمادي معه صديري باللون الازرق حيث يتكلم مع وزير الجند بدر الجمالي(خالد نجيب)لابد من القوة للحماية دوما ،فيرد عليه لابد من الرفق بالناس ورحمته بالعدل وفي هذا المشهد توظيف الديكور مع الاضاءة المناسبة له واستغلال اللونين الأخضروالبنفسجي أعلى المشاهد في الإضاءة واستغلال الخلفية في الحائط من الداخل على شكل القبة الإسلامي أعطت بعدا جمالياووظيفيا ،حيث طلب سماع رأيهما في أمور الحرب للبلاد.
المشهد السابع
الذي يليه الأطفال الثلاثة الأولاد أبناء الجنايني ريحان (احمد يحيى)يلعبون عند الشجرة الموجودة في وسط البهووحولها ، وهنا نؤكد أنه تم استغلالها تلك الشجرة حيث يقف حولها
الجمهور ،ومع الإضاءة الكاملة البيضاء التي تشمل المكان في هذا المشهد ومع لعب أبناء ريحان وفي المقابل أمامهم ريحان يقوم بامساك الفأس على الزرع ، وتنضم معهم الفتاة الجميلة الطفلة حلاوة تقوم باللعب وسط الزرع الأخضر، تسقط حمامة ، يلتف الأبناء مع أبيهم ريحان ويتساءلون هل هي مصابة فيعبر ريحان بقوله ربما أساء إليها أحد من البشر، يكتشف الابن ورقة ملفوفة في رجليها ، يوضح ريحان (احمد يحيى)وأن الحمام الزاجل كان يحمل الرسائل بين الناس في ذلك الزمان، تطلب منه حلاوة فتح الرسالة يرفض لأنها أمانة وهو لايعرف القراءة ، فتصمم حلاوة التى تستطيع القراءة ، فيفتحوا الرسالة وتفك شفرتها حلاوة إن فيها أذى لمصر، وفيها تسريب لأسرار الجيش في الحرب ،وتؤكدعليهم لابد من مقابلة من يخبر الخليفة بالحقيقة،وتأخذ الورقة،وتقرر تسليمها للفتاة التي هي عروسة المولد لتنبه فارس فيخبر الخليفة، ويكون من الجانبين يراقبها رجلان من بعيد وينصتان السمع لكل كلامها دون أن تشعر بهما ،وهنا تنادي عروسة المولد الذي صارت هالة بدلا من حلاوة وهي في أعلى القصر حيث بلكونة القصر تظهر من أعلى للجمهور وهي ترقص بالتفافة حول نفسها رقصة دائرية ،وهنا استغلال البلكونة في أعلى القصر أعطاها تميزا لفرحتها ،وتناديها الطفلة حلاوة من تحت أرجوك أريدك في أمر هام تنزل مسرعة لها وتعطيها الرسالة في يدها، وتخبرها مضمون الرسالة ،وأن تخبر فارس مضمونها وتتحرك بسرعة،تظهر لها من أعلى القصر هالة (اسراء حامد)عروسة المولد ،وعند فتحة الباب عند أعلى السلم لا تلمسيني ولا ألمسك حتى لاتذهب روحي لروحك ونتبادل الأدوار انا كنت هالة وانت عروسة المولد سنظل كما نحن لقد أصبحت حلاوة عروسة المولد ،وانت أصبحت هالة ، وتترك الرسالة الطفلة حلاوة في يدها وتنزل السلالم فتجد امامها رجلان من العصابة زعيط (محمد شلقامي )
ومعيط أحمد أبو الحسن ويأخذها الرجلان من العصابة وهما زعيط (محمد شلقامي)،وومعيط(حمد أبو الحسن)
،ويختطفها الاثنان عند سلم القصر في الأسفل علي يسار المشهد المسرحي وهنا استغلال لسلم القصر في الديكور المسرحي يعني توظيف السلالم في خدمة الممثلين اثناء تأدية الدور المسرحي.
المشهد الثامن
واستكمالا لهذا المشهد على ينتقل بإضاءة خضراء على شجرة خضراء خلفية لهذا اللقاء بين البطل فارس وهالة التي هي عروسة المولد وتعطيه الرسالة وتطلب منه أن يهتم بنفسه وتخبره مضمونها لإنقاذ مصر والجيش يشكرها البطل فارس بحب وتحاول التحرك معه لإخبار الخليفة، ويخبرها انها ترجع لبيتها وتتركه وترحل في تعبير بكلمات فيها توصية عن حبها حيث هنا تكون بداية ذلك المشهد الثامن على الشجرة ،وتكون الإضاءة الخضراء على الشجرة حيث الحب والخير في تعبير رومانسي وينتقل الجمهور بقدميه وهو واقفا الى المشهد الذي يليه.
المشهد التاسع
حيث مقر العصابة تربط الطفلة بعمود ويديها للوراء ،وتقوم العصابة بتعذيبها وكل ملابسهم سوداء ويرتدون طراطير بنفسجي وكلا منهم جيليه بنفسجي،ويطلبون منها النطق ترفض النطق وبذلك يستمرون في تعذيبها وترفض الاعتراف ويقوم بدورزعيم العصابة النجم الفنان مجدي عبد الحليم الذي قدمه بحس فكاهي ومعه مساعده السمين جعلص (هاني سمير)الذي يهدد الفتاة به حتى تعترف انها أعطتها لهالة فيأتي فارس مخلصا إياها في مبارزة بالسيوف ويتم القبض عليهم ،وينتصر فارس عليهم وينقذ حلاوة.
المشهد العاشر
حيث نرجع لمقر قصر الخليفة حيث يقف الجميع كلا من رئيس الوزراء ووزير الجند للترحيب بفارس وعروسة المولد التي صارت جارية فيطلبها فارس للزواج فيحررها الخليفة فتوافق على الزواج ويعلن الخليفة الزواج بعد اسبوع لفارس هدية له ،فتتهامسان على يمين المسرح ويتفقان على رجوع كل منهما لحقيقتها كما كانت ويتم إنهاء تبادل الأدوار تحاول كل منهما لمس الأخرى تحضنان بعدهما ،لكن روح كل منهما متعلقة بالأخرى ،وتخبرها انها تريد أن تظل في هذا العالم تخبر هالة بنفسها الطفلة حلاوة بذلك .
فننتقل للمشهد الأخير (المشهد الحادي عشر)
حيث نرجع لمدخل القصر حيث البداية ترجع بؤرة الإضاءة والحفلة، حلاوة على الأرض تحلم، يوقظها بائع الحلوى(سامر المنياوي)،ويعتذر لها ويعطيها عروسة المولد الحلاوة فتخبره أنها تبقى مكانها ،و أنه لابد لكل واحد يحلم بما يريد ويحقق حلمه .
والمسرحية تدور في عصر المستنصر بالله وهي تعبر عن قيم جميلة فيها الصدق،وتحقيق الأهداف والخير وعدم السرقة وعدم الكذب وحب الأسرة وفيها رمزية الدفاع عن الوطن وحبه وعدم الخيانة ،وفيها الإسقاطات الاجتماعية والسياسية على حب الناس لبعضهم وعودة الأسرة ومناسبة للأطفال من سن الخمس سنوات الى مافوق حتى السابعة عشر.
المخرجة استطاعت التغلب على مشكلة الفضاءات المتعددة فاستخدمت ساحات القصر السفلية والعلوية والسلام والأشجار وقامت بتوزيع الممثلين والممثلات في كل مشهد وخلفه خلفية ديكور اما بانوه مبني أو زرع القصر أو استخدام أركانه أو ممراته،وكذلك استخدام أحد الأركان الداخلية على شكل قبة من الداخل فكان هذا المشهد قصر الخليفة من اقوى المشاهد فاستطاعت اختزال العرض المسرحي بحيث أصبح مناسبا مشاهدته للجمهور .
الأداء التمثيلي بطلة العرض رودينا تمثل باحساسها من داخل نفسها بصدق و تلقائية وعفوية رغم أنها كانت بديلة لممثلة أخرى تركت العرض المسرحي وكانت أول بطولة لها أمام الجمهور ،الفارس (احمد صبري غباشي ) بطل العرض جعلنا من اللحظة الأولى مشدودين له باحساسه أنه الفارس الذي يخدم الناس فكان مناسبا لدوره حتى لاحظت الأطفال بعد العرض المسرحي ينادون باسمه ويزفونه من الشارع خارج قصر الاميرطازوقد حرصوا على التقاط الصور معه ، يحسب للمخرجة مي مهاب توظيف الممثلين في أدوار مناسبة لإمكانياتهم التمثيلية، الديكور والملابس فقد اكتملت الرؤية الخاصة بهما،وصارت فانتازيا بين الخيال والواقع بألوانها المبهجة وخصوصا ملابس فارس وعروسات المولد فيها إبهار وفستان رودينا البطلة بسيط ومناسب بلونيه الزهري والأصفر، كلما تذكرت الإضاءة وخصوصا إضاءة قصر الخليفة بتعانق اللونين الأخضروالبنفسجي ،و الأداء التمثيلي السلس من الممثلين واحساسهم ،فهناك روح الفريق الرائع المتكامل المتعاون المتكامل الأداء التمثيلي ،ناهيك عن الإبداع في توزيع الديكورات الطبيعية ،بالنسبة للمخرجة المميزة ،المؤلف حافظ على الهوية والتراث من خلال النص المسرحي في عودتنا لتراثنا من خلال بيع الفخار والاقمشة والفاكهة ومرجيحة المولد وغيره كلها من تراثنا الشعبي،جمع بين المسرح الشعبي والسامر في مشاهدة جمهور واقفا مستمتعا على قدميه دون ملل أو كلل أو غضب وليس جالسا على الكراسي مع رؤية المخرجة .
الإضاءة لأبو بكر الشريف صارت فيها البؤر الضوئية على الممثلين والممثلات ولكن في بعض المشاهد اعتمد على الانارة الكلية فكان هناك ضعف في لحظات من الإضاءة الموجودة أمامنا وفي مشاهد أخرى استخدم الكشافات الضوئية السفلية على الديكور والخلفية والممرات وخصوصا مشاهد قصر الخليفة اعتمد على تلك الكشافات السفلية والتي أعطت اللونين الأخضر والبنفسجي إبهارا لا يصدق لهذا المشهد الخاص بقصر الخليفة فأعطى عمقا نفسيا ومعنويا بألوانه للمشاهد سواء كان طفلا او شخصا كبيرا.
الاستعراضات لمصطفى حجاج فيها التوزيع سريع ويخطف القلوب والايقاع سريع جذاب للأطفال خصوصا من أول مشهد حتى نهاية العرض.
أشعار العرض طارق علي والموسيقى والألحان هاني عبد الناصر نقلتنا لعالم خيالي جعلنا نعيش عشقا في تراثنا وهويتنا ونرجع للزمن الماضي فيها حفاظ على الهوية والتراث مع الاستعراضات التي اعتمدت على التراث الشعبي والسامر وفن الفرجة المسرحية وخصوصا الشعبية من صناعة الفخار وعروسة المولد والاقمشة الزاهية في السوق والرقص بالدفوف والدمج بين قصر الأمير طاز المكان بجعله مناسبا للمسرحية التي تدور أحداثها في عصر المستنصر بالله بحيث يرجعنا لهذا الزمان مع دمجه الديكور والأداء التمثيلي والملابس والموسيقى و الاستعراضات والأشعار في فانتازيا بالألوان الزاهية المبهجة للأطفال والكبار حيث الديكور والملابس والعرائس كان من إبداع فخري العزازي.
استبيان لرأي الأطفال من حاضري العرض لفدوى عطية
جمعت هذه الآراء حين سألت الأطفال ووقفت وسألتهم وكانت ردود الأطفال علي كالآتي
طفل في سن السادسة قال لي سأجيء مرة ثانية حبيت العرض
الطفلة في السادسة عشر قالت هذا العرض استمتعت به عروسة المولد والبطولة وفارس احببتهم شعرت انهم منا .
الطفلة في سن الثامنة حبيت العرض المسرحي وخصوصاعروسة المولد وفارس .
طفلة في سن التاسعة كل يوم سأجيء المكان أريد أن أرى العرض مرة اخرى
من استبيان الآراء:
يتضح جليا أن العرض وصل لقلوب الأطفال بسلاسة السهل الممتنع وعبر عن التراث الشعبي وهوية المصريين في عشقهم لماضيهم وحرصهم على الحفاظ عليه من خلال فكرة المخرجة مي مهاب وتأليف ياسر أبو العينين النص المسرحي على الورق،وخروجه للنور على يد المخرجة مي مهاب برؤية كان فيها الإبداع والابهار وكانت مناسبة لقلوب وعقول الأطفال رغم وجود رسائل متعددة في القيم ابتي يحتاجها المجتمع حاليا كما ذكرت سابقا الانتماء والهوية وحب الوطن والدفاع عنه والحفاظ على أمن الوطن وأسراره الحربية والحفاظ على جيشه الخلاصة الحفاظ على بلدنا مصر الحبيبة في اي زمان كان أو مكان كان .
الثنائية وتبادل الأدوار بين بطلتي العرض المسرحي ،وعرض الخير والشر من خلال استلهام التراث الشعبي وعدم ملل الجمهور يحسب لكل عناصر العرض المسرحي حتى لوكان هناك عدم نزول الإضاءة في وقتها في المشهد الثاني ربما يكون بسبب محاولة جعل المكان الأثري مناسبا للعرض المسرحي وهو مايعرف بمعناه كما عرفته سابقا مسرحة المكان والدعوة لاستقبال الفضاءات المتعددة للعروض المسرحية وتوفير الامكانيات المسرحية لها .اذا العناصر الفنية كلها مكتملة في تناغمها الإضاءة مع الملابس مع الديكورمع الموسيقى والألحان والاشعار مع الأداء التمثيلي مع التأليف المسرحي مع الاخراجي العرض حقق معادلة صعبة في اكتمال عناصرهمع التشويق الحقيقي.
ونختم كلامنا أبرز جماليات هذا العرض المسرحي في أنه نجح في تقديم أطروحة مميزة في فضاءات متعددة ،وهنا اؤكد على نجاح العرض المسرحي.
الناقد ناصر العزبي
«الحلم حلاوة».. والدعوة الى ارتياد الأماكن التراثية
مقاله المنشور بجريدة مسرحنا
تيمة «الانتماء» أو «الوطنية» من أهم القيم التي نحن في أشد الحاجة إليها في زمن العولمة وتمييع الهوية، ومن السبل لتحقيق ذلك؛ العودة للتاريخ للتبصير به، ويعد المسرح من أفضل الوسائط التي يمكن الاستفادة منها في ذلك، وخاصة مع الأجيال الجديدة من الأطفال، شباب المستقبل الذي تنهض بهم الأمة، الأطفال الفئة الأهم والقاعدة الأكبر من السكان، والأكثر احتياجاً لبث روح الانتماء والوطنية في ظل عصر المواطنة عبر وسائط الفضاء الإلكتروني والفيس بوك، يحقق المسرح ذلك عبر تفاعل مباشر يتم خلال العروض المسرحية التي يلتقي فيها الطفل بشكل مباشر بأبطال العروض ويعايش أحداثها، ويتحقق التأثير المباشر الإيجابي عبر عروض تعمل على بث روح الوطنية والانتماء من خلال ما تقدمه من حكايات بسيطة واضحة الفكرة قريبة للطفل، تصل إليه بشكل سلس دون لبس لتحرك مشاعر المشاهدين من الأطفال تجاه الوطن.
****
ومثلما أن لمسرح الطفل مقومات ومواصفات تختلف عن مسرح الكبار، فإن لطبيعة شخصية صناع مسرح الطفل سمات خاصة حالما توافرت فيهم لاقى العرض قبولا لدى مشاهديه من الأطفال وكان النجاح حليفه، سمات ترتبط بروح شخصية الفنانين من عفوية وخفة ظل وبساطة وطفولية، إضافة إلى القرب من عالم الطفل وعدم التعالي عليه، بما ينعكس على العمل المسرحي ككل، وهو ما توافر لصناع عرض «الحلم حلاوة» بدء من الفنان المسرحي الشامل ياسر أبو العنين مؤلف النص أحد المبدعين المخلصين للمسرح، والذي لم يتعالى عليه أو يستعرض عليه ما لديه من معلومات، وإنما استوعب ما يريد توصيله وتحقيقه بسلاسة مع اتاحة المساحة للطفل لإطلاق خياله وفق شخصيته وحسبما يتفاعل مع العرض، نهاية بالفنانة والباحثة الشغوفة بالهوية المصرية «مي مهاب» مخرجة العرض وصاحبة فكرته وما تتسم به من حماس وجدية، مروراً بباقي فريق العمل الذي استعانت به ؛ الشاعر الموهوب «طارق علي»، الموسيقى المتمكن «د.هاني عبد الناصر»، مصمم الاستعراضات» مصطفى حجاج»، «فخري العزازي» الديكور والأزياء والعرائس، .. وقد دُعيت مؤخراً لمشاهدة عرضهم بقصر «الأمير طاز» وهو من إنتاج المسرح القومي للأطفال بقيادة الفنان القدير «عادل الكومي»، وهي الليلة رقم 37 من العرض الذي تم افتتاحه على مسرح متروبول أواخر يونيو الماضي.
(بعد الصلا ع الزين طه النبي المختار/ راح نحكي يا حلوين عن فارساً مغوار/ لا ترهبه الميادين/ ولا تهزمه الأخطار/ فارس عليه العين/ ويلفت الأنظار/ للمعركة خارج/ من باب فتوح مفتوح/ حب الوطن جواه/ زي الهوا والروح)
“الحلم حلاوة” تدور أحداثها حول (عروسة المولد وفارس الحصان) الحلاوة، أشهر لعب المولد والأكثر جذبا لمرتادي موالد مصر من الأطفال، تحمست مخرجتنا لفكرة تعريف الأطفال بأصل حكايتهما التي ترجع للدولة الفاطمية، فترة ولاية الخليفة «المستنصر بالله» على مصر، وكيف كانا سببا في انقاذ البلاد وحمايتها، إذ يأخذنا العرض منذ اللحظة الأولى مباشرة لأجواء المولد المملؤة بالبهجة عبر الموسيقى والغناء والاستعراض، وسريعا ما تضعنا أمام لقطة إنسانية لطفلة فقيرة لم تقدر بقروشها القليلة على شراء «عروسة المولد الحلاوة» وعلى إثر انتزاع بائع الحلوى للعروسة من يدها ودفعها، تسقط وتأخذها الغفوة، ليدخل بنا العرض من خلالها لـ»حلم» تلتقي فيه الطفلة «هالة» بالعروسة «الحلاوة» التي تتجسد أمامها في صورة عروسة بشرية كبيرة، هكذا بدأ العرض ولينتقل من الواقع إلى الحلم، ليضعنا سريعاً أمام حوار سلس بسيط بينهما، يتعرفا فيه على بعضهما، وتحاول العروسة التخفيف من حزن الطفلة، ليكن ذلك هو المدخل الأساسي الذي يتم الولوج من خلاله للحكاية التاريخية، إذ تحكي للطفلة حكايتها، وحتى تعايش الطفلة حكايتها وتعيش مشاعرها تتفق أن تستبدلا شخصيتهما لتعيش كل منهما في جسد الأخرى، لننتقل – داخل حلم الطفلة إلى حلم أخر داخل الحلم – إلى عصر الدولة الفاطمية عبر أجواء تاريخية في تسع مشاهد متتالية تتنقل فيها بين أروقة قصر الخليفة بين مقر عرشه، وغرفة الجواري، وبين حديقة القصر، وبين سوق المدينة، وبيت البستاني، ومغارة جماعة العصابة)، تعيش كل من هالة والعروسة حياة الأخرى، وكيف يعثر البستاني على العروسة «في جسد هالة» حيث لا ملجأ لها ويصحبها معه لبيته تعيش مع أولاده، وكيف وجدت حمامة «زاجل» تسقط بالحديقة وأثناء تضميدها لجراحها تعثر على رسالة بقدمها، تكشف عن مخطط يهدد أمن البلاد بسرقة أوراق هامة وخطط الحربية لقواتها، وكيف توصلها لهالة «في جسد العروسة» داخل القصر، والتي بدورها تلتقي بالفارس وتحيطه بما في الرسالة، وأن الطفلة التي عثرت عليها في خطر من الجماعة التي تهدد البلاد بالخطر، وليتمكن من انقاذها، والقاء القبض عليهم، ويرغب الخليفة مكافأة الفارس، فيطلب الفارس تزويجه من الجارية، فيوافق الخليفة ويأمر ببدء الأفراح للزفاف، ويتزامن هذا مع مناسبة المولد النبوي الشريف، ويتطوع أحد باعة الحلوى – تقديرا للعروسين ودورهما في انقاذ البلاد – بعمل تمثالين من الحلوى لكل منهما، يعرضان كل عام في مناسبة المولد تذكيرا بهما، ومع نهاية العرض يتلامس كل من العروسة وهالة ليعود كل منهما لشخصيته الحقيقية وإلى زمنه الطبيعي، لتستيقظ هالة من حلمها، لتجد بائع الحلوى الذي دفعها أرضا يراضيها ويهديها العروسة التي انتزعها منها لعدم قدرتها على شرائها.
لم يتح لي مشاهدة «الحلم حلاوة» على مسرح متروبول في عرضه الأولى، وأعتقد أن المخرجة «مي مهاب» استفادت من العرض بقصر «الأمير طاز» لتقدم مسرحيتها برؤية جديدة تعتمد على عبقرية المكان الذي ينتمي لزمن أحداث «الحلم» داخل المسرحية بما أضاف الكثير للعرض، وهذا بالإضافة إلى التنقل بالمشاهدين عبر أروقة القصر لتفقده بما يساعد على التعريف بواحد من أماكننا التراثية التي لا حصر لها بمصر، بما يعد دعوة للمسرحيين للاستفادة من أماكننا التراثية بشكل صحيح، ليس بالعرض داخلها فقط وانما الاستفادة منها بتوظيفها للعرض أو توظيف العرض لها، الأمر الذي يتفق وشعار الاستثمار في تراثنا الثقافي بتسليط الضوء عليه، وفتح تلك العروض للمصريين للتعرف عليه، وكذلك استثمار تلك العروض سياحيا بدعوة السياح لها.
وقد وُفِقَت المخرجة في اختيارات الأماكن داخل القصر لتتخذ منها لوكيشن لمشاهدها، تتنقل بنا بينها، وقد أصابت باختيار مدخل القصر للزمن المعاصر الذي تجرى به أحداث مشهدي الافتتاح ومشهد الختام، بينما الأحداث فترة التاريخ كانت بأماكن داخل القصر، أجواء العرض كانت ساحره بفعل المكان الذي ألقى بظلاله على الأحداث، وبفعل الموسيقى الرائعة والجمل اللحنية التي قام بتوزيعها «أحمد حامد» حيث نجحت في الجمع بين أجواء العرض ومتطلبات مسرح الطفل، بين التعبير عن الأجواء الروحية والتراثية وبين الأجواء المبهجة التي تتفق وعروض الطفل، كذلك توظيف الإيقاعات السريعة التي تواكب سرعة الأحداث وتحريك المشاهدين لملاحقتها. أما كلمات الأغاني فقد أكدت على امتلاك مؤلفها لناصية الكتابة لأغاني الأطفال حيث اتسمت بالمفردات السهلة القريبة للطفل وكذلك المفردات الشعبية المناسبة للحالة بشكل عام، مع الصياغة الدرامية المشوقة؛ (ست البنات مستنياه حسب الميعاد/ واقفة على الباب عينها بتدور عليه/ وفجأة بان فوق الحصان زينة الولاد/ وتعالوا بينا نشوف سوا .. هايجرى أيه).
وأرى أن الديكور لم يكن له وجوداً، ربما كان له دوراً أساسياً على المسرح، إلا أنه في قصر «الأمير طاز» بدا فقيرا لا يتناسب مع فخامة مكان العرض، نفس الشيء بالنسبة للإكسسوار، بينما الملابس والمكياج كانا جيدين، وأما عن التمثيل، فقد نجحت المخرجة «مي مهاب» في خلق حالة بين توليفة فريق التمثيل، إذ بدا ذلك على أجواء العرض بشكل عام، وقد تميز منه بشكل خاص الفنانة «إسراء حامد» التي جسدت شخصية العروسة حلاوة بما اتسمت به من سمات شخصية ومقومات تناسبت مع الدور، كذلك الفنان «أحمد غباشي» الذي قام بدور «الفارس» بما تميز به من قبول وحضور، ومعهما تألقت الطفلة الموهوبة بطلة العرض التي تستحق الثناء على آدائها «رودينا سامح» والتي قامت بدور الطفلة «هاله»، والطفل «اسامة محمد» سارق الثمرة، مع باقي فريق العرض (مجدي عبد الحليم، خوليو، اكرامي، دعاء حسام الدين، خالد نجيب، سامر المنياوي، احمد يحي، محمد شلقامي، سيف الاسلام ايمن، هاني سمير، ممدوح سالم، ياسمين علاء، علي عماد، عمر الرفاعي) والاطفال (محمد هشام، زياد محمد، بسمة السيد، اسيل محمد، ريماس وليد).
شاهد الجمهور العرض واقفاً، وتنقل معه يتابع مشاهده في أرجاء القصر المختلفة، وقد صحب ذلك حالة من تفاعلية الجمهور مع العرض، إذ يسارع لملاحقة المشاهد المتتالية أينما تجرى، متنقلاً من مشهد لآخر حرصًا منه ألا يفوته حدث من الأحداث، وهي حالة جديدة خلقها العرض، تبارى فيها المشاهدين الذين تتبدل أماكنهم مع كل مشهد بين مقدمة أو مكان متأخر.
«الحلم حلاوة» رؤية جمالية لعرض استعراضي غنائي خفيف الظل، قدم وجبة ثقافية بأسلوب سلس مناسب للأطفال، وهو رؤية فنية تنقلت بنا بين الزمان والمكان، قدم بين أروقة قصر «الأمير طاز» في سياحة تاريخية حيوية بالصوت والصورة، وهي تجربة ناجحة بكل المقاييس الأمر الذي نطرح معه سؤلاً ؛ لماذا لا تقدم عروضاً على نفس هذا النهج؟، لماذا لا تكون هناك فرقة نوعية تابعة للبيت الفني للمسرح تقدم عروضا تستثمر ما تتسم به الأماكن التراثية، وذلك من خلال انتاج مشترك بين كل من وزارتي الثقافة والسياحة تهتم بتقديم أعمال مصرية ذات صبغة تاريخية تؤكد على هويتنا وفي ذات الوقت تعمل على الترويج السياحي للأماكن التراثية؟.
ها قد استعرضنا في هذه المقالة المجمعة أراء ثلاثة من النقاد ، كل حلل باقتدار وتمكن عناصر العرض بحرفية ومهنية بعيدا عن المجاملة وقد أجمعوا على جودة العرض الشعبي بامتياز ، وتلك المقالات الثلاث كتبت عن العرض إبان عرضه في قصر الأمير طاز ، ولعلها دعوة للعودة للفضاءات غير التقليدية في أعمالنا المسرحية خاصة للأطفال ، ويكفى الإعلان بقوة وبحق عن مخرجة مسرحية فنانة رائعة أثبتت نفسها باقتدار ، تحية لها ولكل من شارك في العمل .
يتضح جليًّا أن العرض وصل لقلوب الأطفال بسلاسة السهل الممتنع، وعبر عن التراث الشعبى وهوية المصريين فى عشقهم لماضيهم، وحرصهم على الحفاظ عليه، من خلال فكرة وضعها بتأليفه ياسر أبو العينين، وضع النص المسرحى على الورق، وخروجه للنور على يد المخرجة مى مهاب برؤية كان فيها الإبداع والإبهار، وكانت مناسبة لقلوب وعقول الأطفال، رغم وجود رسائل متعددة فى القيم التى يحتاجها المجتمع حاليًا كما ذكرت سابقًا الانتماء والهوية وحب الوطن والدفاع عنه والحفاظ على أمن الوطن وأسراره الحربية، والحفاظ على جيشه، الخلاصة الحفاظ على بلدنا مصر الحبيبة فى أى زمان كان أو مكانٍ كان.
الثنائية وتبادل الأدوار بين بطلتى العرض المسرحى، وعرض الخير والشر من خلال استلهام التراث الشعبى، وعدم ملل الجمهور يحسب لكل عناصر العرض المسرحى، حتى لو كان هناك عدم نزول الإضاءة فى وقتها فى المشهد الثانى، ربما يكون بسبب محاولة جعل المكان الأثرى مناسبًا للعرض المسرحى، وهو ما يعرف بمعناه كما عرفته سابقًا مسرحة المكان، والدعوة لاستقبال الفضاءات المتعددة للعروض المسرحية، وتوفير الإمكانيات المسرحية لها. إذًا العناصر الفنية كلها مكتملة فى تناغمها الإضاءة مع الملابس مع الديكورمع الموسيقى والألحان والأشعار مع الأداء التمثيلى مع التأليف المسرحى مع الإخراجى. العرض حقق معادلة صعبة فى اكتمال عناصره مع التشويق الحقيقى.