كان لي شرف لقاء المسرحي السوداني القدير الرشيد احمد عيسى من خلال حضور مخرجات لورشة ادارها في فن الممثل و مسرحة الذات،باحدى قاعات التمارين التابعة لوزارة الثقافة القطرية، مع عدد من الممثلين السودانيين المقيمين في قطر و قد حمل العرض عنوان الذات-الطريق إلى الحرية.
الحديث مع هذا الفنان المسرحي اضافة لا توصف، طاقة رهيبة و كلام نافذ و عمق في التفكير،عن رغم تقدم السن كان يتحرك كشاب في العشرينات،و من اكثر الناس مني يعلم اسباب ذلك..انه سحر المسرح ،يجعلك كائنا حرا ،مجنّحا،و دائم الطيران فوق كل الحدود و الضروف،متجاوزا كل الصعاب و المحن.
#الذات_الطريق_الى_الحرية،تجربة مثيرة و بها من البحث الكثير، مسرحية تعتمد على العمل الجسدي المجهد و الارتجال انطلاقا من احداث مرحبا ذكريات ذاتية وسط فضاء يشبه مسرح الحلقة معتمدا على شكل المسرح التفاعلي،رامية بعرض الحائط كل قيود العلبة الايطالية و قوانينها،هو عرض منفتح و مباشر في علاقته بالمتفرج لخلخلة سكونه و تحرضه إلى التفكير.
تجتمع مجموعة من الشباب و تدعونا للعيش معها بلحظات الاعتصام باحدى اعتصامات الشعب السوداني التواق إلى الحرية و نبذ ممارسات الفساد للنخب السياسية،و مجازر الرمي بالرصاص من طرف الشرطة و قسوة البلطجي المرتزقة لفك و انشالله الاعتصام، فجاء العرض حركيا و متواترا في ايقاعه السريع،متنقلا من حالة إلى اخرى،محزنا حد البكاء،لقد كان رشيد احمد عيسى ممثلا في حد ذاته و لكن داخل الجمهور،كان يؤدي و دموعه تنهمل من فرط الاحساس بالكلمات.
ذكرني كثيرا ما تم تقديمه بالغرض ما وقع لنا باعتصاماتنا بالقصبة 1 و 2 بالثورة التونسية ،و ما حصل بميدان التحرير بالثورة المصرية..نفس الحال و الوسائل و المظاهر،و كان قدر شعوبنا ان تعيش كل هاته المعاناة و تضرج بالدماء و تنزف حدّ الموت في محاولات مسيرها بطريق الحرية.
لا انارة و لا ديكور و لا سينوغرافيا..الممثل و لا شيء غيره مع جسده داخل فضاء فارغ، يتمازج مع أجساد زملاءه و باصواتهم،كان كل يروي مشهد او قصته،و الآخرون يرددون او يبادرون بوضع همسات الأصوات مثيرين بذلك جوا من الطقسية اليونانية القديمة في بدايات المسرح من خلال الكورس أو لنقل بالاخير يتحد الجميع و كانهم اوجة لعملة واحدة.
لقد نجح الرشيد برشة تجربته الطويلة و بدون رتوش و مساحيق المسرح المعاصر و رقمياته ان يلج إلى نفوسنا و يعبر من خلال شبابه عن ذاته و معاناته بالغربة و معاناة المواطن السوداني و تشضي احلامه بوطن حر ،آمن و سعيد..
#الذات_الطريق_إلى_الحرية عرض يضعك امام نفسك لتحاسبها،لتعاين الإهمال الإنساني و غطرسة البشرية في تعاملها مع الانسان و مصير الشعوب،هو صرخة إبداعية من طرف فنان عانى الترحال و عايش الام الغربة و السجون ، مسرحي يؤمن ان المسرح فعل مقاومة او لا يكون.
المخرج والسينوغراف التونسي
الدوحة – قطر