قبول الآخر، وتقبل التعامل معه، والتعايش السلمي في وجوده، وتبادل الخبرات، وانفتاح للحوار وفق آدابه المعلومة لدينا، دون المساس بثوابت المعتقد، أو المساومة على المبادئ، والقيم المجتمعية النبيلة، والأخلاق الحميدة؛ ومن ثم تعضيد لثقافة السلام، يشير ذلك في جملته إلى التسامح؛ فمن خلال القناعة بماهيته، نتقبل التعددية، والتنوع؛ بما يتناغم مع قيمنا، التي تؤكد على المحبة، وشيوع السلم والسلام، في سائر المجتمعات قاطبة.
وفي ضوء ذلك يتوجب علينا أن نزيل مسببات الخشية من التعامل مع الآخر، في إطار ما لدينا من وعي صحيح، ومنظومة قيم نبيلة، تحث الإنسان على أن يعمل العقل، ويتدبر المواقف والقضايا، عبر بوابة التفكير؛ حيث ينتقل الفرد من دائرة الصراع الداخلي، إلى مساحة التفاوض، والتفاهم، وتبادل الخبرات، مع الآخر، في العديد من المجالات النوعية، التي تعود بالنفع على تنامي الخبرات، وسبر المعارف في صورتها العميقة والصحيحة؛ ومن ثم ينتقل الوجدان من حيز المركزية، إلى اللامركزية في تناول القضايا بكل أشكالها.
ومن ثمار تنمية قيم التسامح، تهيئة الفرد على أن يتقبل صور التعدد، والتنوع الاجتماعي؛ فلا يعبأ بفروق اللون، أو الجنس، أو غير ذلك من المتغيرات، التي نصفها تحت ماهية العنصرية، وهنا يكتسب الإنسان الوعي الصحيح، تجاه الحقوق والواجبات؛ ومن ثم يتلاحم، ويتفاعل، مع الغير في إطار فلسفة التكامل، على المستوى الفكري والمادي؛ فلا يقف التغير الثقافي حائلًا أمام الاندماج المجتمعي، بصوره المشروعة.
واعتقد أن قيم التسامح، تزيد من حُب الإنسان لمزيد من التواصل، والتعارف مع الآخر، في إطار ما يتاح له من آليات، سواءً أكانت رقمية، أم مادية، وهذا بالطبع يؤدي لمزيد من الشراكات المفيدة لكلا الطرفين، بل قد يصبح التعاون مستدامًا؛ من أجل تحقيق غايات مشتركة، تخدم المجتمع الإنساني في كليتها، وهنا لا نتحدث عن لغة المصالح، بقدر ما نؤكد على ثمرة العطاء، التي تتمخض عن هذه القيمة النبيلة في مكنونها.
وإعطاء الفرد الفرصة في عرضه لرأيه، يمنحه المقدرة على التفكير في صورته السابرة، وهذا الأمر يُعد أحد نتاجات قيم التسامح؛ لكن حرية الرأي، تستلزم أن تكون مسئولة، بمعنى إدراك الإنسان ما له، وما عليه؛ فلا يقبل أن يضير برأيه بثوابت المجتمع، وقيمه، ومبادئه، وما يتبناه من منظومة خلقية، استل منها دستوره، ودشن من خلالها قوانينه، وهنا نتحدث عن قناعتنا التامة، وإيماننا الغائر، بفلسفة احترام الرأي الآخر؛ ومن ثم نتحمل نتائجه.
وحري بالذكر أن قيم التسامح، تمنح الجميع الانغماس في تناول قضايا، وعرض رؤى على قاعدة مشتركة، تعرف بالغة الحوار؛ حيث الاهتمام والحرص؛ من أجل الوصول لاتفاقات وتفاهمات، من شأنها تحقق الأهداف المنشودة، وهنا نتحدث عن صيغة جامعة، تقوم على الاحترام المتبادل؛ حيث إن الحوار الناجع، ينهي كثير من النزاعات، والصراعات، والخلافات، ويسهم في توحيد الصفوف، بل ويخلق مناخًا داعمًا للتآلف بين بني البشر.
إن قيم التسامح تعمل على نشر السلام، والتآخي بين بني البشر، في ضوء تعظيم لمقدار المحبة، وإضعاف للمشاعر العدوانية، أو الاتجاهات السلبية، التي أسست على وهن، وساعدت الفتن في تكريسها لدى بعض الفئات، أو الطوائف، أو حتى بعض المجتمعات؛ لذا يبدأ التسامح من تعزيز للسلام داخل النفس، ثم ينتقل إلى الغير؛ لتتشكل الصورة الجامعة، لماهية سلام النفوس، والوجدان، بما يمهد إلى النهضة، التي تقوم على فلسفة التواصل البناء؛ حيث تبادل الخبرات، وتناميها في شتى المجالات الحياتية، والعلمية، والعملية.
نؤكد أن قيم التسامح داعمة للمشاعر الإنسانية، في صورتها الإيجابية؛ فمن خلالها يستطيع أن يخرج الفرد أفضل ما لديه، ويعبر عن جميل ما يكن تجاه الآخر، وعلى بوابتها تتكاثر مسببات السعادة لدى الإنسان؛ فما أجمل ولا أروع من أن تنال التقدير والاحترام، ممن تُحب، وممن قد يخالفك الرأي والرؤى؛ فالغاية الرئيسة الجامعة، تكمن في خلافة تحث الجميع على الإعمار، بغض النظر على مساقات التباين بين بني البشر قاطبة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر