ما بين العقل والقلب تمتد معركة لا نهاية لها، لا راية ترفع فيها، ولا صلح يعقد، ولا هدنة تبرم. حرب سرمدية تدور رحاها منذ ولادة الإنسان حتى لحظة رحيله، حيث يتنازع الطرفان على عرش الوجود، كل منهما يدعي الحكمة، وكل يزعم امتلاك الحقيقة، والعقل والقلب في صراع لا يعرف السلام.
العقل ميزان صارم، لا يحابي، لا يتأثر بالعواطف، ولا يتزعزع أمام المشاعر.
يحكم بمنطق لا يقبل المجاملة، ويزن الأمور بميزان الحكمة، لا ينجرف خلف الأحلام، ولا يقامر بالمجهول.
يسير بخطى ثابتة، محسوبة بدقة، يختار الطرق الآمنة، ويبتعد عن المجازفات.
يحمي صاحبه من السقوط، لكنه في قسوته قد يسلب الحياة رونقها، وفي حذره قد يحرم القلب من فرحته.
أما القلب، فهو مملكة بلا أسوار، ممتلئة بالمشاعر الجارفة، لا تعترف بالحدود، ولا تخضع للقوانين.
ينبض بالحياة، يتوهج بالشغف، يحلم بلا قيود، ويغامر بلا حسابات.
يرى في العقل قيدا يكبل الأماني، وفي الحذر سجنا يطفئ وهج الأحلام.
لا يعترف بالمستحيل، ولا يخشى المجازفة، يؤمن بأن السعادة لا تقاس بالمنطق، بل تعاش بالإحساس.
ونحن بينهما، كمن يسير على حبل مشدود، يتأرجح بين منطق يقيده، وعاطفة تجرفه.
إن مال إلى العقل، عاش حياة محسوبة بكل دقة، لكنه فقد شيئا من روحه، وإن انجرف خلف القلب، ذاق لذة العيش، لكنه دفع الثمن من راحته واستقراره.
العقل يحذر من الندم، والقلب يراهن على الشعور، وبين هذا وذاك يبقى الإنسان في صراع أبدي، بين ما يمليه العقل، وما يتمناه القلب.
لا انتصار في هذه الحرب، ولا راحة لمن يخوضها، هي معركة لا غالب فيها ولا مغلوب، حيث العقل ينادي بالمنطق، والقلب يصرخ بالمشاعر، والإنسان بينهما ممزق، يبحث عن اتزان مستحيل، في صراع بلا سلام.
ولكن أيعقل أن يظل هذا الصراع بلا حل؟
هل قدر الإنسان أن يبقى ممزقا بين منطق العقل وجموح القلب؟
الحل ليس في انتصار أحدهما على الآخر، بل في تحقيق التوازن.
ليس المطلوب أن يسلم العقل زمام الأمر للقلب، ولا أن يخرس القلب صوته أمام العقل، بل أن يجتمعا في كيان واحد، يكمل كل منهما الآخر.
فالعقل يرسم الطريق، والقلب يلون تفاصيل الرحلة.
العقل يخطط، والقلب يلهم.
العقل يحمي من السقوط، والقلب يمنح الشجاعة للمضي قدما.
العقل يحسب العواقب، والقلب يمنح للحياة نبضها ومعناها.
عندها فقط، ينتهي الصراع، ويولد السلام في للإنسان.
واخيرا ليس المطلوب أن تطفئ صوت قلبك، ولا أن تصم أذنيك عن نداء العقل، بل أن تمنح لكل واحد منهما دوره العادل في معادلة الحياة.
@إشارة