نعلم جميعا تزايد وتيرة هجرة الأطباء للخارج مما أدى لعجز بأعداد الأطباء، مما ينذر بقرب حدوث مشكلات حقيقية فى علاج أهلنا من المرضى.
وبالطبع فإن الأسباب معروفة لجميع المسئولين وعلى رأسها تدنى الأجور، والاعتداءات المتكررة، وسوء بيئة العمل، والمحاسبة كالمجرمين فى قضايا المهنة، والتعنت الإدارى وغيرها، وفى المقابل نرى دول العالم المتقدم تفتح ذراعيها للطبيب المصرى وتقدم له عوامل الجذب لعلمها بكفاءته وإخلاصه بعمله.
.
خرج علينا أحد نواب البرلمان بمقترح لمنع سفر الأطباء لمدة خمس سنوات بعد التخرج!
ثم خرج علينا الإعلامى عمرو أديب فى مداخلة مع نقيب الأطباء بمقترح أن يسدد الطبيب فاتورة تعليمه قبل السماح له بالسفر أسوة ببعض الدول الأجنبية!
.
- ألا يعلم النائب أن الدستور الذى أقسم على احترامه تنص المادة 62 منه على حرية التنقل والهجرة؟
- ألا يعلم النائب أن نفس الدستور قد نصت المادة 53 منه على أن المواطنين متساوون فى الحقوق والحريات، فى حين أن مقترحه يضع قيودا على فئة بعينها مما يعد مخالفا للدستور؟
- ألا يعلم النائب أن مقترحه “حال تطبيقه” سوف يزيد المشكلة تعقيدا بدلا من أن يحلها، حيث أن الطبيب الذى يقرر السفر فلن تمنعه قوة من ذلك، فهو سوف يطلب إجازة فإذا تم رفضها فسوف يستقيل وإذا رُفضت الإستقالة فسوف ينقطع عن العمل وهنا قد يسافر ولا يعود، فهل هذا ما نصبو إليه لحل المشكلة؟
- سؤال للنائب: أما كان الأحرى أن تطالب الحكومة بحل المشكلات التى تؤدى للهجرة بدلا من مطالبة الأطباء بتحمل المزيد من سوء الأوضاع؟
.
أما عن الإعلامى الشهير الذى يطالب بتسديد فاتوة التعليم قبل السفر فأقول له: - بداية كلنا كمصريين علينا ديون لبلدنا، ولكن هذا ليس له علاقة بقيام الدولة بدفع مصاريف تعليمنا من عدمه، فبلدنا هى بمثابة الأم التى نفديها بأرواحنا فى الشدائد.
- ولكن عندما نتحدث عن ديون مستحقة عن تعليم فئة بعينها فالأمر يحتاج لوقفة، فبالطبع نعلم أن الدولة تتحمل جزءا من تكاليف تعليم الأطباء بالجامعات الحكومية من ضرائب المواطنين، وفى المقابل أيضا يعلم الجميع التكاليف الباهظة الأخرى التى يتكبدها أهل طالب الطب للإنفاق على دراسته فى شراء المراجع والأدوات والمستلزمات والتدريبات وغيرها، أما إن تحدثنا عن وجوب سداد هذا الدين فإن الطبيب بالفعل يقوم بسداده عمليا خلال أول سنوات قليلة من عمله الحكومى لأن هذا ببساطة هو الفارق بين ما يحصل عليه من مرتب وما يستحقه من أجر عادل.
- أما قول الإعلامى بأن سداد ديون التعليم يحدث فى دول أخرى، فأقول له عندما تريد تطبيق نظام دولة أخرى فعليك أن تأخذ كل هذا النظام بحقوقه وواجباته، ولا تنتقى منه الواجبات وتتجاهل الحقوق، فهذه الدول التى تتحدث عنها لها أنظمة مختلفة كما أنها تمنح أجوراً كبيرة ومن أعلاها أجور الأطباء مما يمكن الطبيب من سداد الدين والعيش برفاهية فى نفس الوقت، ولكن عندما تعطى أجراً لا يكفى الحياة الكريمة فهل تطلب سداد هذا الأجر مقابل الدين وبالتالى العمل بالسخرة؟
- يا سيادة الإعلامى: ألا تعلم أن الدولة قد تحملت أيضا الجزء الأكبر من تكاليف تعليم الوزير والخفير والقاضى والضابط والإعلامى وغيرهم، فإذا كانت هناك ديونا مستحقة فهل يجب على الجميع سدادها أم أن هذا قاصرا على الأطباء؟
- يا سيادة الإعلامى: لم أسمع منك كلمة موجهة للحكومة لكى تعالج المشكلات التى تؤدى للهجرة بشكل جذرى، ولم أسمع منك رأيا بوجوب منح الأطباء أجوراً عادلة أسوة بفئات أخرى من العاملين بالدولة، واكتفيت بالحديث عن وجوب سداد الأطباء لتكاليف تعليمهم، فهل هذا هو الحياد الإعلامى!؟
.
أما قول البعض المتكرر بأن الأحوال الإقتصادية للدولة لا تسمح حاليا بمنح الأطباء أجوراً عادلة، فنحن نعلم جميعا أن الظروف الإقتصادية صعبة، ولكن فى المقابل فإذا كانت بلدنا تعانى من محنة مالية حقيقية فإنه يجب أولا مراعاة فقه الأولويات فى الإنفاق وأرى أن الإنفاق من أجل صحة المواطن ضمن الأولويات، كما أرى أنه يجب على جموع المواطنين التضامن لحين الخروج من المحنة، فما الذى يمنع من إقرار حد أقصى للأجور مثلا بعشرين ألف جنيه شهريا لجميع الفئات (من الوزير إلى الخفير)، ويساهم فى ذلك الإعلامى الشهير بجزء من دخله باعتباره صاحب المقترح وعليه ديون للدولة فى التعليم والمعيشة، ثم بعد خروج بلدنا من عثرتها يتم إقرار منظومة عادلة للأجور تحصل كل فئة بموجبها على أجرها طبقا لطبيعة دراستها وأعباء عملها وخطورته، وحينها ستكون أجور الأطباء ضمن الشريحة الأولى للأجور.
.
فى النهاية نعلم جميعا ان تحسين الخدمة الطبية المقدمة للمواطن وتحسين أوضاع الأطباء هما وجهان لعملة واحدة، فإن كنا نهدف فعلا لتقديم رعاية صحية تليق بالمواطن المصرى فإن مشكلات القطاع الصحى معروفة وحلولها أيضا معروفة، وبالطبع ليس ضمن هذه الحلول محاولة ابتزاز الأطباء أو وضع قيود غير دستورية عليهم.
الأمين العام الأسبق لنقابة الأطباء